حفريات تأويلية فى الخطاب الإصلاحي العربي . محمد الحداد

حفريات تأويلية فى الخطاب الإصلاحي العربي

تأليف : محمد الحداد

دار الطليعة - بيروت   2002   |   225  صفحة |   5.85 MB




حظي الخطاب العربي الذي يدعوه البعض بالحديث، والبعض الآخر بالمعاصر، باهتمام محدود من قبل الدارسين، مقارنة بالاهتمام الذي حظي به التراث. وليس المقصود بمحدودية الاهتمام قلة الدراسات من حيث الكمّ، فالأهم هو قلّة محاولات التجديد المنهجي في عملية القراءة.
ويمكن تقسيم القراءات السائدة إلى ثلاثة أقسام كبرى: فقسمٌ أوّل وجّه الاهتمام إلى هذا الخطاب ذاته، وقسم ثانٍ جعل قراءة هذا الخطاب فرصة لإثبات تفوّق أيديولوجيا على أخرى. وقسم ثالث جعل هذا الخطاب ملحقاً للتراث يُقرأ بصفته مدخلاً إليه، بدل أن يُقرأ في ذاته ولذاته، أي بصفته تشكلاً خطابياً متميزاً وجهته ظروف اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة عن تلك التي وجّهت الخطاب القديم الذي أصبح اليوم يدعى بالتراث. وأما القراءة المقترحة للخطاب في هذا الكتاب فهي مغايرة لتلك الثلاثة، فالخطاب بالنسبة للباحث ليس مجرد بنية فوقية تنعكس فيها صراعات الشرائح الاجتماعية؛ بل إن الخطاب يمكن قراءته لفضاء من الفضاءات الاجتماعية يخضع لحركية خاصة ينبغي أن تحلل من داخلها، وهذا ما يسعى الباحث إلى إثباته في دراساته هذه. وهو لا يقصد بالخطاب النصوص من حيث مضامينها؛ بل اللغة في حراكها التواصلي والاجتماعي كما تجسدها مجموعات النصوص التي تنتمي إلى قطاع خطابي كلي (الخطاب العربي المعاصر مثلاً)، أو فرعي ("الخطاب الإصلاحي" مثلاً). وقد وجّه الباحث جزءاً كبيراً من اهتمامه، أثناء التحليل، إلى الجوانب المتعلقة باللغة والتشكل الخطابي والآليات الاستدلالية، وكانت منطلقاته في ذلك المفاهيم والمساءلات الحديثة التي تكوّنت في رحم النظريات اللسانية قبل تعمّم على مجموع العلوم الإنسانية والاجتماعية. وهو إلى ذلك لم تكن غايته تطبيق مناهج جاهزة على الخطابات المدروسة، بل إن غايته الاستفادة من تلك المفاهيم والمساءلات وجعلها مدخلاً وهادياً في مشروع القراءة النقدية التي هو بصددها.
وطموح الباحث أن تنخرط دراساته الواردة في هذا الكتاب في التيار النقدي في قراءة التراث، العتيق والقديم والقريب في آن، وهو تيار مدين لمفكرين هما عبد الله العروي ومحمد آركون. فهذان المفكران لم ينخرطا في ما انخرط فيه أبناء جيلهما، إذ لم يكتبا مشاريع أيديولوجية مثل ميشيل عفلق وأنطوان سعادة ونديم البيطار وعصمت سيف الدولة، كما لم يكتبا مشاريع تراثية مثل حسين مروة وطيب تيزيني وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري. بل اشتغلا على مستوى المفاهيم والمناهج، فمهدا بذلك الطريق لمقاربة نقدية تعمل على الخروج من سيطرة السجال الأيديولوجي، وعلى ممارسة البحث الدقيق المتأني المستند إلى مفاهيم العلوم الحديثة القائم على منهجيات في تحليل النصوص، لا التعامل معها على شكل مستندات للإثبات أو النفي في القضايا الأيديولوجية. وعلى ذلك فإن الأبحاث التي انتقاها الباحث في دراساته هذه وإن اختلفت في مواضيعها؛ إلا أنها اشتركت في الانتماء إلى الطموح الذي يحمله التيار النقدي الذي لا ينطلق من التراث إلى القراءة بل من إشكاليات القراءة إلى التراث، والأبحاث تنطلق من سؤال: "كيف نقرأ؟"، وتتحاور مع المقروء في أفق هذا السؤال.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق