إسلام السلطة وإسلام الجماعة .. محنة أمة - لطفي حجّي


  إسلام السلطة وإسلام الجماعة .. محنة أمة

لطفي حجّي

الدار المتوسطية للنشر - تونس  2018  |  405  صفحات  |  8.16  م . ب




الكتاب مجموعة مقالات بينها خيط رابط كُتبت في معظمها بين سنتي 2001 و2016، يعود أقدمها إلى سنة 1989: دأبُها ودَيدنُها والقطب الذي تدور عليه رحاها "تجديد الفكر الديني" و"معالجة قضايا الإسلام السائد على مبدأ التأويل والعقلانية"، فضلا عن قضايا الحقوق والحرّيات الأساسية ومنها الحرّية الدينية والحرّية السياسية وسؤال الديمقراطية عموما.
هذه المقالات، رغم طابعها الصُّحفي وما يستتبعه من إكراهات المنهج وخطّ التحرير، فضلا عن حرصها الشديد على التوثيق، التزمت في تمشّياتها التزاما تامّا بالموازاة بين العرض المُعلّل والتحليل المُفصّل من ناحية، والنقد الموضوعي، وهنا مربط الفرس، والتحرّر من الإيديولوجي والسياسي والتمسّك التام غير المشروط بالولاء للفكري وحده، ذاك الذي لا يحرّكه إلا هاجس الفهم والاستشكال من ناحية أخرى.
ولعلّ هذا التمثل الإشكالي وبالتالي النقدي لقضايا التنزيل والتأويل هي التي دفعت الكاتب إلى الاعتراف بأنّ حجر الزاوية فيما يطرح  من مقاربات يتمثل في "إبراز مأزق فهم الإسلام في ديار الإسلام، ليس مأزق الإسلام واحدا في علاقة التأويل بالتنزيل والنصّ بالواقع فقط، وإنّما أيضا مأزق الإسلام متعددا، وبالأساس من خلال الإسلام الرّسمي أو التقليدي أو المحافظ بتبريره للسّائد وإعادة إنتاجه له والإسلام الرّاديكالي أو الاحتجاجي بكلّ صيغه، مع ما يأتيه من أعمال إقصائية وفي مقدّمتها ظاهرة التكفير واحتكار النّطق باسم المقدّس، وذلك بأفق انتظار مزدوج:
الوصل في تمثّل الإسلام بين طمأنينة الضّمير وحرّية التفكير والتسلّح بالحسّ النقدي التاريخي الذي يسمح بمعالجته النصّ الديني التأسيسي بآليات جديدة للمعرفة والاستنباط "أساسها العقل ومُكتسبات العلوم الإنسانية" والانتقال من ثمة، والعبارة للطفي حجي، من فقه المحرّمات إلى فقه الحرّيات بما من شأنه أن يعيد فهم الثقافة الإسلامية بآليات إنتاجها التاريخية وظروفها الموضوعية الخاصة بها وعدم الاكتفاء بنقد الأطروحات المُهيمنة أو العقل الفقهي ولكن في إطار الوقوف على أرضها بل الوصول إلى إعادة معالجة النصّ القرآني بآليات المعرفة الجديدة وضمن المتغيرات العالمية وقيمها المعرفية الجديدة، هذا بالنسبة إلى الأول.
ـ إعادة تصنيف الحركات الإسلاميّة بموضوعية بما يمنح المناخ "لعدد كبير من فصائلها" لفكّ الارتباط مع الحاضنة الإحيائية: شخصياتٍ ومؤسساتٍ، والانخراط بها في الحاضنة الديمقراطية والمشروع الوطني في إطار ما يسمّيه الكاتب " الإدماج الديمقراطي" والانصهار الاجتماعي.
وهي إعادة تصنيف تستدعيها في تقديره إملاءات الواقع ومُقتضيات الضرورة "لأنها لم تعُد جميعا تحمل نفس التصورات والمواقف من المجتمع ككلّ ومن المشاركة في المسار السياسي الديمقراطي خاصّة ".
الإسلام الواحد والأفهام المتعددة
في إطار هذه الرؤية التي تعتمد "العقل الثّاقب اللطيف" بعبارة الجاحظ والحرّية منهجا في المجالين الديني والسياسي نزّل المؤلف أبواب كتابه الستّة: الإسلام الواحد والأفهام المتعددة، بين الديمقراطية والشورى، الإسلام السياسي زمن المواجهات والثورة، تكفيريون خارج التاريخ، تِيهُ مسلم: النص، العقل، التأويل، الواقع، إرادة التجديد: العقل الإسلامي وإرث الانحطاط.
وهذه المباحث تكتسب أهميتها في تقديرنا من راهنيّتها بهذا الاشتغال على واحد من أهمّ مجالات التوتّر في الفضاء العام نعني إعادة تمثل العقل الديني ـ الإسلامي هنا، وكسر الحدود بين المؤسسة الدينية (السلطة أو الجماعة هنا) ذات الفكر التسلّطي والحرّية الإنسانية المنشودة دينيا واجتماعيا وحتى سياسيا، تلك الحرّية التي لا يمكن نَيلُها بحسب المنظّر الألماني دروفرمان إلاّ بإدراك أنّ الطقوس الدينية لا بدّ أن تُؤَمِّنَ للذات الإنسانية توازنها النفسي بدل تحويلها إلى ذات معصوبة: عنفا وتكفيرا والوعي بأنّ النصّ المقدّس ليس حبيس الدلالة الواحدة، وفقا لمنطق " الفرقة النّاجية "، بل هو لا ينطق إلا بفضل تفاعله مع المنطق التأويلي، والتفطّن إلى أنّ السلطة الدينية ليست إلا أداة لتبرير المَأسَسَةِ والهيمنة والسيطرة الاحتكارية.
إسلام السلطة وإسلام الجماعات
وبهذا الارتياد لمجالين لا يخلوان من مآزقَ ومزالقَ: سؤالالتديّن بوجه عام وسؤال الفكر الديني الإسلامي بصورة خاصة وبنجاحها في الخروج عن تلك الصورة النمطية التي يرسمها "إسلام السلطة"  و"إسلام الجماعات"، كل عن نفسه وتلك التي تُرسم لهذا وذاك بمُسبّقات إدانية أو مصادرة على المطلوب إلى صورة جديدة تقوم على المُساءلة النقدية وتبيّن مواطن التوتّر ومواطن الإضافة والتميّز في هذا الخطاب وذاك، وطرح الإحراجات التي تتصل بصورة الإسلام بوجهيه التقليدي والاحتجاجي/ الأصولي معا.
معنى هذا أنّنا إزاء محاولة، من الكاتب، لوجه من وجوه مقاربة تجديد الفكر الإسلامي في تونس وفي المجال العربي من المفيد أن تتلوها محاولات أخرى لغيرها من وجوه مقاربة الظاهرة ذاتها في كل ما يتصل بها من أسئلة حارقة على غرار إشكالية المساواة بين الجنسين وطبيعة العلاقة بين حقوق الإنسان والمطلب القرآني وبين السلطة الزّمنية والسلطة الرّوحية وبين الدّين والدولة والشريعة والقانون ومفاهيم السياسة المدنية ومفاهيم السياسة الشرعية، مقاربة لتغيير الواقع شعارها أن "لا سلطان إلا للعقل ولا سلطة إلا لضرورة الواقع الذي نعيش فيه ". 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق