الهُويَّة غير المكتمِلَة .. الإبداع والدِّين والسِّياسة والجِّنس - أدونيس

الهُويَّة غير المكتمِلَة

الإبداع والدِّين والسِّياسة والجِنس

أدونيس

بدايات للطباعة والنشر - دمشق  2005   |   95  صفحة  |   1.3  م . ب

تحميل الكتاب


يعد أدونيس ضرب من المفاجأة في الأدب العربي الحديث، شعرًا ونثرًا. فهذا الرجل يتخلَّى عن كلِّ فكرة جاهزة ومسبَّقة، فيحيا في طفولة دائمة وفي جِدَّة مذهلة. إنه لا يطلب "الأمان"، الذي يعقِّم الفكر والقلب، بل ينشد القلق والمجازفة، معيدًا النظر في التصوُّرات جميعها. من هنا هذه النشوة العظيمة التي تجتاحه عندما "يخاصر الريح ويعاقر المجهول".

إنه يأبى أن يتبع القوانين المفروضة من الخارج، ويعتبرها مجرد قواعد اصطلاحية ليست مبنية على الحبِّ بقدر ما هي مؤسَّسة على الإكراه، وأحيانًا على الاستبداد. لذلك ينحصر همُّه في خلق عالم جديد أكثر إنسانية، شرط أن يكون الإنسان أيضًا خالقًا لنفسه.

كتاب أدونيس هذا عبارة عن مجموعة تأملات عميقة في الإبداع والدين والسياسة والجنس. في الجزء الأول من الكتاب، في موضوع الله، يعترف بأن صوفيَّته تخلو من المحتوى الديني. فاللامرئي في المعنى الديني قيل مرة واحدة وإلى الأبد؛ في حين أن اللامرئي في صوفية أدونيس الإنسانية يتكلم دائمًا، وعلى نحو لانهائي. ولذلك يبلغ الشاعر حالة الوجْد التي تصله بجوهر الكون ويصبح واحدًا مع الله، أو ما يمكن تسميته، على غرار الصوفية، بالاتحاد ووحدة الوجود. أما عندما يصبح الله متجمدًا في صيغ معيَّنة، كما هي الحال في المؤسَّسة الدينية، فإن العنف يتفجر وتحدث الحروب بين الأديان - وتلك مصيبة البشرية، قديمًا وحديثًا.

ولا شك أن أدونيس يعني بكلمة "الله" قوة الخلق اللانهائية: فليس في الجبَّة غير الإنسان نفسه! فهي صوفية بلا إله. وهو وَجْد لذيذ يحصل عندما يتوحد المرء مع الطاقة الكلية الكامنة فيه، مصدر الإبداع والسعادة.

وعن الأوضاع العربية، يقول الشاعر إن ما يساوره دائمًا هو تقويض مفهوم الأبوة البطريركية في المجتمع، ولاسيما السياسية منها. فإن حاول التخلص من وحدانية الإله، عليه التخلص أيضًا من وحدانية الأب. فكل شيء يدور حول الرئيس/الأب: فلو انتصر الشعب يكون الرئيس هو الذي انتصر، ولو وقعت الهزيمة ليس الرئيس مسئولاً عنها! ويقرر أن هذا المجتمع لم يعرف الديمقراطية طوال تاريخه.

عن الأدب، يرى أدونيس أن تيارًا أدبيًّا جديدًا ظهر، يضم أعمالاً أدبية أشبه بـ"تقارير عن الحياة اليومية". أما الشعر "الثوري" - الذي طالما مجَّده اليساريون - فهو شكل زائف للشعر. لذلك يدعو إلى إسقاط الأقنعة وتدمير كلِّ كذب بغية تجاوُزه. وهو يهدف، في تجربته الفكرية والشعرية، إلى أن يسكب داخل العقل خمرة القلب، وأن يحقق الاقتران بين الجسد والروح؛ إذ هو لا يؤمن بإمكان الفصل بين العقل والقلب.

أما عن علاقته الأولى بالطبيعة، يقول أدونيس إنه كان عنصرًا من عناصرها كلِّها، مثل سحابة أو شجرة. وهو يحب أن يكون وحيدًا وحرًّا؛ ولذلك تركزت الطاقةُ في نفسه بفعل الانطواء. وطبيعي أن تمتد خارجًا، لا مع البشر الذين يتأفف منهم الشاعر وينزعج من وجودهم، بل مع الطبيعة التي صارت أنثى، لا على طريقة ابن الرومي المجازية، بل على نحو حقيقي وملموس. ولعل هذا الأمر نجده جليًّا في الكتاب، حيث ترى أدونيس يتواصل مع الطبيعة كأنها بديل حي من الكائن الإنساني.

في الحب والجنس، يؤمن أدونيس بتلاقي الأضداد: اللذة والألم، البكاء والفرح، ويعتقد أن لذة الوصال مأسوية دومًا: فرائحة الموت تنبعث من كلِّ فعل حب، وشبح الموت يتراءى فيه.

وفي كل الأحوال فإن هذا الكتاب فيه الكثير من الأفكار الجذرية. ولعله يلقي ضوءًا على تجربة أدونيس التي لا مراء في أنها من أهم التجارب الخلاقة في القرن العشرين وما تلاه، إن لم تكن أهمها إطلاقًا.

#مكتبة_التنوير

#أعلام_سير_مذكرات

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق