الزمن والآخر - تأليف : إيمانويل ليفيناس

الزمن والآخر

تأليف : إيمانويل ليفيناس

دار نينوى للدراسات والنشر  2015  |  75 صفحة  |  2.6  م . ب

تحميل الكتاب

ثمة كتب لا تتعدى صفحاتها مائة صفحة، ولكن عباراتها المكتنزة تجعلها أشبه بالكتب الكبيرة التي تحوي معارف كثيرة، ولعلّ هذا الكتاب منها، فهو كتاب صغير الحجم، دقيق الإشارة، معقد العبارة على الرغم من محاولة المترجم لتسهيل تلك العبارات، وفك تلك الإشارات، ولا غرابة في ذلك؛ فالزمن هو موضوع هذا الكتاب ومازال الزمن لغزا محيرا لدى الفلاسفة، بل حتى عند الفيزيائيين، إذ لا يملك الراصد للزمن حركته إلا إذا خرج خارج الزمن فيملك مروره، وتجربة السفر في الوسائل السريعة تصدق هذا الافتراض، إذ لا تشعر بسرعة الوسيلة التي تركبها في اختراق الزمن إلا إذا نظرت من النافذة فترى كل شيء من حولك يتراجع بسرعة. 

الزمن معيار الوجود، ولا يمكن عده تقهقراً للأبدية، ولكنّه يرتبط مع الآخر، والإشكاليّات المتعلقة بالزمن متشابكة ومعقدة. فما الزمن؟! من حيث مصدره، ومرور ماضيه، والعيش في حاضره، وترقب مستقبله، كيف يتقاطع الزمن مع الآخر؟ كيف يحافظ الزمن على وجوده؟ "فلا يقبل الذوبان ذاتاً، ولا يدع نفسه تضمحل عن طريق التجربة"، من أين وقع سوء الفهم بأن الزمن عبور زائل؟ كل هذه الأسئلة بسطها الكاتب في محاضراته التي جمعها في هذا الكتاب.

لقد تناول المؤلف الزمن في هذه الأطروحة كعنصر لا يُعرِّض الآخر للخطر، بل يضمن تفاعله معه، ولا يعدُّه لحظة عابرة تُلغي الآخر، وإنما تتفاعل معه، لذا ليس الزمن تراجعا إلى الأبدية، ولكنه علاقة مع الآخر، لا يقبل الذوبان ذاتاً، ولا يدع نفسه تضمحل عن طريق التجربة، وعليه فإن الهدف الرئيس من هذا الكتاب يظهر في إقرار أن الزمن ليس حدثاً لموضوع ذات معزولة ووحيدة، ولكنه يمثل علاقة الذات نفسها بالآخر، فمهما بلغ سوء الفهم في العلاقة بين الزمن والذات، فإن مجرد التصور بإلغاء هذه العلاقة يخلق تصورا آخرا متطرفا لا يعترف بالتاريخ، ولا يثمّن اللحظة الحاضرة، ولا يستوعب متطلبات المستقبل، وهذا يعني استسلام العلاقات الإنسانية لنقطة الصفر على الدوام.

الخلاصة، يمكن لهذا الكتاب أن يشكل استفزازا أحيانا، وصدمة أحيانا أخرى، ولكن في كل الأحوال يلامس إشكالا حيا بفكر فلسفي عميق بما فيه من استشعار للعلاقة التي تربط الزمن بالآخر، ذلك من خلال رصد الصور المتفرقة للنزعة الاجتماعية في مواجهة الإنسان الآخر.

وفي نهاية المطاف يتبين أن هذا الكتاب لا يقدم مساعدة فقط في الحوار مع الآخر، وإنما يساعد أيضا على فهم الذات بشكل أفضل، وفهم الزمن بشكل أدق، ومدى تلاؤم الزمن مع الآخر، وإن بدا لنا عدم التلاقي، فالزمن يعني الديمومة من العلاقات، ومن الاستلهام من الآخر، وهو تفاعل أبدي لا ينقطع.

#مكتبة_التنوير

#فلسفة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق