الدين والتحليل النفسي . إريك فروم

الدين والتحليل النفسي

تأليف : إريك فروم                ترجمة : فؤاد كامل 

دار غريب - القاهرة  1977  |   105  صفحات   |    5.22  م . ب






يتميز كتاب "الدين والتحليل النفسي" ببساطة المفاهيم المطروحة لفهم الظاهرة الدينية. فقد أراد فروم من خلال هذا الكتاب أن يثبت أن المحلل النفسي يستطيع دراسة الواقع الإنساني خلف الدين والأنظمة الرمزية له. ورأى فروم أنه برغم ما أنجزه الإنسان على صعيد الابتكارات والاكتشافات العلمية والتقنية، يبقى الإنسان هو الأبعد عن ذاته ولم يقترب قيد أنملة في تحقيق حلمه - تحقيق كمال الإنسان- أي محبة الإنسان لأخيه الإنسان. بل أكثر من ذلك يبدو أننا أخفقنا في تكبّد العناء بما حقّقناه في سبيل هذا النمط الإنساني الهستيري، حيث نصبح أكثر اقترابًا من الفصام الذي ينفقد فيه الاتصال بالواقع الداخلي وينفلق فيه الفكر عن العاطفة. يؤكد فروم أن العودة إلى الدين عند البعض هو الحل لا بوصفه فعل ايمان محض بقدر ما هو هروب من شك لا يطاق. حيث يجيب فروم أنه لطالما كان الكهنة المصريين أطباء الروح كذلك كان دور الفلاسفة اليونانيّون الذين تناولوا الفلسفة والنظام الأخلاقي بحجة العقل – فكان لهذا، الدور في نشوء علم النفس.
وبحسب فروم، يرى فرويد أن ضعف الإنسان – أي فشل العقل – في مواجهة قوى الطبيعة خارجه والقوى الغريزية داخله، يعمل إلى التغلب عليها في استخدام "العواطف المضادة" وهو ما يؤدي إلى الوهم. وأن الدين عصاب جماعي قائم على رغبات الإنسان.
أما يونغ فيقدم الدين على أساس سيكولوجي بعكس فرويد الذي قدّمه على أساس فلسفي، وأن الدين حقيقة سيكولوجية لأنها موجودة. وباختصار إن جوهر الخبرة الدينية هو الخضوع لقدرات أعلى من أنفسنا، فهو يستولي ويسيطر على الذات البشرية التي هي بالأحرى ضحيته دائمًا وليست خالقته.
من هنا نرى مما تقدّم وبحسب فروم أن فرويد ويونغ لم يختلفا في نظرتهما للدين من الحيث المضمون، ففرويد يتفق مع الدين من حيث الجوهر الأخلاقي ويرفض السمات التأليهية الفائقة للطبيعة فهذه المفهومات كانت ضرورية برحلة التطور البشري ولم تعد ضرورية في واقعنا. أما يونغ في موقفه الاستسلامي للقدرة العليا "الله أم اللاشعور" فواجب الانسان في البحث عن الحقيقة مبدأ أساسي متكامل في الأديان.
بامتلاك الإنسان للعقل والتخيّل أي وعيه بذاته أصبح -الانسان- الحيوان الوحيد الذي يمتلك (شعوريًا) السأم والسخط من طرده الجنّة، وعليه فقد أضاع وحدته مع الطبيعة. مع هذا الضياع أصبح بحاجة إلى فهم وجوده وإعادة توازنه مع الطبيعة فخلق صور ذهنية كانت بمثابة اطار للإجابة عما يجب أن يفعله.
وكما أشرنا إلى رؤية فروم لفرويد ويونغ وموقفهما من الدين حيث أشار فرويد إلى انه "عصاب جماعي قائم على رغبات الإنسان".  في حين يرى يونغ أنه "الخضوع لقدرات أعلى من أنفسنا، فهو يستولي ويسيطر على الذات البشرية التي هي بالأحرى ضحيته دائمًا وليست خالقته". إلا أنه اختلف معهما في تعريف الدين وأشار إلى أنه: مذهب للفكر والعمل تشترك به جماعة ما، ويعطي للفرد اطاراً للتوجيه وموضوعاً للعبادة. وقد قام بتقديم نوعين من الدين: الدين التسلطي (authoritarian)، والدين الإنساني (humanistic).
يرى فروم في الدين التسلطي الاستسلام لقوة تعلو على الإنسان على أن تكون الطاعة هي الفضيلة الأساسية والعصيان هو الخطيئة الكبرى. فهذا الاله قادر، عالم بكل شيء - بالمقابل يجد في الإنسان العجز والضعف أي فقدان الإنسان لما كان يملكه أصلا وهنا يعني فروم "العقل والحب" اللذين تم سلبهم. وبهذا يكون الإنسان في اغتراب عن ذاته.
وبهذا فهو يختلف مع فرويد الذي يركز على الحاجات الغريزية (جنسية وعدوانية) ويرى حاجة الدين تكمن في مفهوهما الإجتماعي العام. فهذا الإنسان إن لم يستطع توجيه ما امكن من طاقة إلى ذات عليا تكون ذاته أي إن لم يملك الصورة الحقيقية لذاته عندها يضطر إلى تشكيل صورة وهمية تلبي حاجاته ويتمسك بها إلى أن يعتقد أنها حقيقة قادرة على إجابة كافة التساؤلات. وبهذا تكون عملية إسقاطية ميكانيكية حيث أعطت هذا الاله صفة الحكمة، العدالة، والحب. فتتحول علاقاته مع الاله إلى علاقة ذات طابع خانع مشوبة بالمازوشية، فيقول فروم "إذ يصبح الإنسان بلا ثقة في أخوانه البشر، وفي نفسه، بلا تجربة لحبه الخاص، وقوة عقله الخاصة". أما الدين التسلطي العلماني فيصبح الزعيم، الفوهرر، أبو الشعب، وما إلى هنالك من تسميات موضوعًا للعبادة. وأيضًا تصبح حياة الإنسان تافهة فارغة من مضمونها.
أما في الدين الإنساني، يقصد فروم ما يأتي به أشخاص مثل بوذا، الذي يصفه "بالمستنير" الذي أدرك حقيقة الوجود الانساني وتحدث باسم العقل وليس باسم قوة فائقة على الطبيعة. فيكون هدف الأنسان تحقيق أكبر قدرة من القوة لا العجز، الذات لا الطاعة. ويتفق فروم مع فرويد من حيث الاسقاط فيقول: ففي حين ان الاله في الدين الانساني صورة لذات الانسان العليا، ورمز على ما يمكن ان يكون عليه الانسان او ما ينبغي أن يئول اليه، نرى أن الاله قد أصبح في الدين التسلطي المالك الوحيد لما كان يملكه الانسان أصلا: أعني العقل والحب. وكلما كان الاله أكمل ، كان الانسان أنقص. انه "يسقط" أفضل ما عنده على الاله، ومن ثم يفقد نفسه.
وفي الختام يؤكِّد إريك فروم أنّ ما يهدد الدين ليس العلم، بقدر ما هي الممارسات السّائدة في الحياة اليومية، فعلى مرّ التاريخ لم تكن المواقف المناهضة للدين في ظاهرها ضدّ الدين بحد ذاته، إنما ضد ما تزعمه المؤسسات الدينية من أنّ أقوالها ينبغي أن تؤخذ مأخذ الإيمان المطلق؛إذ تميل هذه المؤسسات إلى تقديس مؤسساتها وبذلك تدفعهم للاعتقاد والوقوع في الأوهام، وتحريم التفكير النقدي الحرّ مما يؤدي إلى عطالة العقل، وكبت التفكير النقدي من شأنه إيقاف القدرات العقلية في مجالات أخرى، والدين عندما يقدّس مؤسسات أو سلطات بعينها، يجعلها خارج دائرة النّقد.. مسيّجا إيّاها بالكثير من القُدسيّة ، مخوّناً كل من يحاول نقدها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق