في صحبة الكتب . علي حسين
في صحبة الكتب
تأليف : علي حسين
دار أثر - الدمام 2017 | 270 صفحة | 4.1 م . ب
المؤلف، علي حسين، قارئ مثالي لا تهمه الأجناس الأدبية، على حد قول البرتو مانغويل، يقرأُ الرواية والمذكرات والرسائل والنقد والحوارات، كما يهتدي من كتاب إلى آخر، وهذا ما يثري التجربة ويُعمق الفهمَ ويُعزز لديه الرغبة لمواصلة القراءة، وهي عملية في تَمددٍ دائم.
يقولُ في المقدمة بأنَّه اختار الصحافة مقتنعاً بأنه سيشارك القراء هذا الحُب للكتاب، فهو يكشفُ لك بأن الكتب هي محور كل صداقاته، و يصنف الكتب التي قرأها إلى مجموعتين، المجموعة الأولى استمتع بقراءتها مثل «الأخوة كارامازوف» لدويستوفسكي و«ليون الإفريقي» لأمين معلوف وثلاثية نجيب محفوظ. تضم هذه القائمة مؤلفات متعددة تتراوح بين الرواية والمذكرات والدراسات النقدية، ناهيك عن كتب فلسفية مثل «رسالة في اللاهوت والسياسة» لسبينوزا و«العالم إرادة وتمثلا» لشوبنهاور.
يُفتَتَحُ الكتابُ بفصل يتحدثُ فيه المؤلف عن حياة بيكاسو، ومن ثُمَ يتوقف عند العلاقة القائمة بين صاحب لوحة غرنيكا، وسليفادور دالي، ورؤية الأخير لفن الرسم.
لا يبتعدُ القارئ في الفصل الثاني عن أجواء باريس، ولكن يكون هذه المرة برفقة صاحب «الإنسان المتمرد» ألبير كامو وروايته «الغريب» التي حلّقت بمؤلفها إلى العالمية.
الفصل الثالث مخصص للكاتب الأمريكي وليام فوكنر، حيثُ يتبع الكاتبُ طريقة قريبة من تقنيات تأليف القصة لعرض موضوعه، إذ ترى صورة صاحب «الصخب والعنف» ليس من وجهة نظر المؤلف، بل من زاوية نظر كل من همنغواي وجبرا إبراهيم جبرا وكامو.
وفيما يتعلق بجان بول سارتر يسلط الضوء على نبوغه المبكر، حيثُ يسخر من أساتذته قائلاً، أستطيع أن أجادل نيتشه وأعلمه كيف يمكن للإنسان أن يكون حراً، كما يضعك أمام ما يبلغ إليه افتتان سيمون دي بوفوار بسارتر وهي تقول «ما أضيق عالمي الصغير إذا قيس بعالم سارتر الغني»، زد على ذلك هناك كتب غيرت اتجاه القراء فأندريه مالرو قبل أن يطلع على دوستويفسكي، أراد يصبح طياراً، ولكن ما أن يقرأ «المقامر» حتى يخوض في عالم الأدب، كذلك بالنسبة غروم سالنجر، فالأخير اختار أن يكون روائيا اقتداءً ببلزاك، وهذه الحالة تلاحظها لدى مؤلفة «ذهب مع الريح» ماغريت ميتشل، فهي بدورها تستعيد وقائع رواية «غادة الكاميليا» وتتذكر أن أمها سمتها بهذا الاسم تيمناً ببطلتها،
أما عندما تصل إلى الفصل المخصص لغابرييل غارسيا ماركيز يتضح بأنه غامر بكل شيء من أجل إنجاز روايته الملحمية «مئة عام من العزلة». هنا يشير الكاتب إلى أنه عندما تنشر قصة لماركيز لا يمتلك ثمن الصحيفة التي نشرت فيها مادته، إضافة إلى ذلك يتعرف من خلال ما يذكره المؤلف على تلك الأعمال التي أثارت غضب السلطات مثل «كل شىء هادئ في الميدان الغربي» لأريك ماريا ريماك، فأحرقت هذه الرواية إبان الحكم النازي في ألمانيا، من الأدباء العرب يذكرُ المؤلف عميد الأدب العربي طه حسين، فأستاذه شاكر حسن آل سعيد، يهديه نسخة من كتاب «الأيام» ويعترف الكاتب بأنه بعد انتهائه من قراءته انتابته رغبة في أن يصبح مثله ضريراً. كما يفردُ فصلا لتوفيق الحكيم، حيث تستشف قدراً كبيراً من الإعجاب لدي المؤلف بهذين الأديبين.
يرافقك الكاتب في رحلة في عالم مشاهير الأدب والفكر بدءاً ببيكاسو مرورا بشقة دوستويفسكى وحياة غوستاف فلوبير المضطربة واكتشافات فرويد وسبره في اللاشعور، وتصيده للأحلام، متوقفا عند قطعة بسكويت ألهمت بروست بكتابة روايته «البحث عن الزمن المفقود» وما أثاره داروين عندما صدم البشرية بأن أصلها منحدر من القرد. وما يدفع فرجينا وولف إلى الانتحار، انتهاءً بصراع كافكا مع أبيه وقرار ريجيس دوبريه بترك مباهج باريس. لا ينصحك المؤلف بقراءة عناوين محددة ولا تجد لديه وصفات جاهزة، لأن تصبح كاتباً، بل ما يتوصل إليه عقب قراءة هذا الكتاب أن وراء كل عمل أدبي أو فكري عظيم هناك ثمن باهظ، كما أن قرارك بأن تكون قارئاً يعنى ان تكون سارقاً للوقت، مثلما كان برموثيوس سارقاً للنار.
تعليقات
إرسال تعليق