آلهــــة فــي مطبـــخ التـــاريخ . جمال علي الحلاق

آلهــــة فــي مطبـــخ التـــاريخ 

تأليف : جمال علي الحلاق 

منشورات دار الجمل – المانيا   2012   |   210  صفحات    |  6.13  م . ب 




يؤكد المؤلف ان ظهور الاله هو احتياج فردي او اجتماعي , ينتهي مع انتهاء الاحتياج , وان ولادة اي اله ترتبط ارتباطا عضويا بولادة الحالة الاجتماعية التي تدفع الى ولادته . وبالتالي تدفع المجتمع الى تبنيه , وعليه فالاله ( اي اله ) متبنى من قبل المؤمنين به .
يمكن ان تكون تجربة كل من اخناتون في مصرالفراعنة , ورضا شاه في ايران نموذجا مثاليا لهذه المقولة كما يؤكدالباحث الحلاق .فاخناتون اقحم المجتمع الفرعوني بلا مقدمات اجتماعية داخل دائرة التوحيد .بينما نرى رضا شاه قد اقحم ايران قسرا داخل بوتقة العلمانية , فكانت نتيجته, ,.اجهاض عبادة الاله (اتون ) بزوال الداعي اليه . وانهيار المجتمع العلماني في ايران مع انهيار حكم الشاه .
اي ان التغيير لايمكن ان يكون الا بوجود رغبة جماعية , وان تكون هناك حاجة مجتمعية تتضامن مع هذه الرغبة . 
كانت الالهة , ولاتزال تولد كما يولد الناس ,تنمو مثلهم تماما , وتشيخ فتتعكز بالمؤمنين بها , وتتوقف , لكنها لاتموت , كالافكار تماما .
وغالبا ماكانت الالهة تتداخل فيما بينها , كان يرتدي اله ثياب اله شبيه , او مقارب له , او يتقمص زي نقيضه . وكان التطرف هو الذي ينتصر دائما , والحديث لايقتصر على الاديان فحسب , بل يشمل الحركات الاجتماعية والتيارات السياسية ايضا . 
في النصوص السومرية والاكدية والاشورية عن ولادة واصل الالهة نقرا عن حادثة اغتصاب جرت في مدينة نفر ادت الى ولادة الاله سين , اله القمر .فقد اغتصب الاله (انليل) ذو النظر البراق حسب تعبير الباحث الحلاق الالهة الالهة (ننليل) عندما راها تستحم في مجرى الماء الصافي . قارن هذه القصة الاسطورية مع حادثة اغتصاب الملك والنبي داود لزوجة قائده العسكري , عندما راها تستحم في سطح المنزل المقابل له , وقام بالايعاز الى قادته بارساله الى الخطوط الامامية في جبهة الحرب والايعاز بقتله .
تختلف الامزجة بين الالهة كاختلاف امزجة البشر تماما , كما نجد هناك صراع الاجيال . بل ان قصيدة التكوين والخلق البابلية تتحدث عن التقسيم الطبقي للالهة , فكان هناك الهة تحكم , كما كان هناك الهة تعمل , وكيف ان طبقة الالهة العاملة احتجت وانتفضت وثارت واعلنت العصيان على الالهة المتحكمة بها , فكانت النتيجة ان تحال طبقة الالهة العاملة على التقاعد . بعد ان تم خلق الانسان كحل للازمة , ليتحمل عناء الالهة المتقاعدة. 
هناك مايشير الى استمرار تناسل الالهة , وبالتالي استمرار ولادة الهة جديدة , ففي بلد كالنيبال مثلا , والحديث عن الهندوس فقط , الذين يمثلون احد اهم واوسع اربعة اديان فيه ,فان الالهة لاتزال تتناسل وتلد , وان عددها الان يفوق عدد النيباليين , فقد ورد انها تبلغ ثلاثة وثلاثين مليون اله , من بينها اله يسمى بسيد الحيوانات , واله يسمى بملك الرقص .
لقد كان ثمة زيجات عديدة بين الالهة والبشر ايضا , كان يتزوج اله من امراة من بين الناس , او قد يتزوج رجلا من الناس الهة من الالهة , وقد انتجت لنا مثل هذه الزيجات كائنات هي انصاف الهة وانصاف بشر .
فعلى سبيل المثال تزوجت الالهة عشتار من الراعي . وقد استمرت عملية اعادة انتاج هذه التجربة كجزء من بنية بعض الاديان التوحيدية كالمسيحية والاسلام . فنحن نرى كيف اصطفى ( الاب , الله , الرحمن ) مريم العذراءكي تكون اما لكلمته او ابنه , فهو اله من جهة الاب , وبشر من جهة الام ( المفصل :6 – 490 ) . بينما اقر الابيونيون بعقيدة (العذراء) الا انهم راوا المسيح بشرا مثل غيره من البشر لكنه امتاز عنهم بالنبوة.
الجنس كاتصال معرفي :
يشير الجنس في المثولوجيا (الاساطير ) الى نمو المعرفة البشرية ( مضاجعة انكيدو للبغي وتحوله من شبه حيوان الى انسان مديني ) .
هناك نص سومري يتحدث عن ممارسة جنسية هائلة تمت بين السماء والارض ,فالكل مقدس, لافرق فيه بين ( الفوق ) و (التحت ) :
( لان الارض ذات الجلال , الارض المقدسة 
حملت نفسها , من اجل العالم السماوي المهيب .
وهو , هذا الاله البديع , غرس 
في الارض الفسيحة قضيبه 
وسكب دفعة واحدة في فرجها 
بذرة الابطال والشجر والقصب , 
والارض بكاملها ,مثل بقرة 
وجدت نفسها مشبعة بمني العالم السماوي الغني .) 
الكل مقدس, الكل الهة , هذا التساوي جعل تاسيس المعرفة امرا يسيرا ,الكل يعمل من اجل اكمال خلق العالم كي يصل الى ماهو عليه الان , بل ان كل شيء في العالم اقترن مولده بطقس جنسي مقدس, هو اشارة الى توافق معرفي , ادى هذا التوافق الى لحظات تاريخية اسست مفاهيم اجتماعية جديدة , هي في النهاية ثمرة لنمو المعارف البشرية ككل , فزواج الالهة عشتار من الراعي كان تاسيسا للمجتمع البدوي , وزواجها من تموز لاحقا كان تاسيسا لمجتمع المدينة , وتنافس الراعي على عشتار هو امتداد للصراع الاجتماعي بين البداوة والتمدن .
لقد كانت المعرفة شيئا مقدسا لانها نتاج المقدس ذاته , استلام حمورابي لشريعته من اله الشمس نموذجا .ومن هنا تحديدا جاء رهاب الخضوع لها , وصرامة المراقية والعقاب المجتمعي . ولان الانسان قاصر عن رؤية نفسه كائنا فضائيا او كونيا , جعل المعرفة تهبط من الفوق ,بعد ان جعل التحت مهيئا تماما لاستقبالها , اي ان النص السابق جعل كلا من وجود الارض ووجود السماء ضروريا للاخر .وان نمو المعرفة بكل تمثلا تها عبر الزمن هو امتداد لقدسيتها الاولى عبر الاشياء .
فضائيون على الارض :
هناك نظرية تبناها ( ارك فون دانيكن ) في كتابه ( عربات الالهة ) الذي صدر في منتصف القرن العشرين تشير الى ان كائنات فضائية قامت بزيارة الارض في الماضي البعيد , وان اشارات ورسائل من الحضارات البشرية القديمة قد وصلت الينا ,تجعل الشارحين له يعتقدون بوجود مركبات فضائية , وان بعض البشر قد ركب احداها الى اعماق الفضاء . كما في رؤية جلجامش للارض من السماء .
لاتزال النظرية قائمة , ولايزال هناك من يروج لها رغم ان كاتب المقال يعتقد انها نظرية تتبناها جهات غربية اوربية وامريكية لابعاد العراق القديم ممثلا بحضارته السومرية الكونية العالمية , اول حضارة زراعية – معدنية اعطت ثمارها ونموذجها للعالم , ولغرض جعل الحضارة السومرية قادمة من خارج الكون ومزروعة صناعيا في ارض سومر . وهي نفس الفكرة التي تتبناها الدوائر العلمية في الغرب بقولهم ان السومريين قادمين من مناطق جبلية في اسيا او اوربا وذلك لغرض جعل الفضل الاول في حضارة ورقي الانسان هو للحضارة الغربية فقط .
يقول الباحث الحلاق ان قراءة نص التزاوج السومري بين الارض والسماء باعتباره يشير الى العلاقة العضوية بين الارض والعالم الخارجي . وان هناك العديد ممن يعتقدون بان الانسان هو نتاج الانوناكي. يؤكد العالم ليفي شترتاوس في كتابه العرق والتاريخ ان الحضارة السومرية حضارة تجميعية تراكمية استغرقت لنسشؤوها فترة لاتقل عن مئتي الف سنة فكيف يمكن الحديث عن حضارة نزلت من السماء فجاة ؟ )كما في الاسطورة البابلية , وان الانوناكي اقوام يعيشون الان على سطح المريخ, وعلى سطح الكوكب العاشر ايضا , ويمكن ان نفهم بسهولة اصرار الاديان التوحيدية على دور السماء , باصرارها على الية الوحي التي هي في النهاية مخاض اخر للعلاقة البشرية مع العالم الخارجي .
يؤكد الباحث جمال الحلاق في ختام الفصل الاول ,ان كل محاولة في الاضافة , او في الحذف , ستنتج الها اخر يختلف عمن كان قبله , او عمن سياتي بعده , من هنا فان الله كما تم حتى لحظة موت محمد بن عبدالله هو اله يختلف تماما عمن نعرف من تمثلاته في كل المدارس والفرق الاسلامية لاحقا , وما يفعله السلفيون الان هو الرجوع الى الله كما هو في لحظة محمد بن عبدالله , وهذا بحد ذاته يجعلهم خارج حركة التاريخ , لان الانسان في النهاية هو نتاج خبرة حياتية متراكمة , وحياته تتلخص بالنموذج الذي يطرحه لنفسه كاله وان هذا النموذج يجب ان يكون قابلا للتطور ايضا , بل يجب عليه ان يواكب نمو الوضع الاجتماعي للمؤمنين به , اي يواكب الاحتياج الجمعي , لان اي توقف هنا سيقود الى خلخلة في العلاقة بين الاعتقاد والممارسات اليومية , تكون نتائجها انفصامات مرضية حادة تقود الى خروج الاله من دائرة الاحتياج , فينتهي كضرورة اجتماعية . 
يرى كاتب المقال ان ازمة مجتمعاتنا العربية – الاسلامية وخصوصا في نسختها الاصولية السنية – الشيعية , هي نتاجا لهذه اللحظة التاريخية المنتجة للاله , والتي جرى التوقف عندها وبات المؤمنون به يرددون ماتطلبه منهم المؤسسة الاسلامية , لاان يبحثوا الحالة وفق احتياجهم الاجتماعي .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق