الثورة الفرنسية . فرانسوا فوريه - ديني ريشيه ( جزءان)

الثورة الفرنسية ( جزءان )

تأليف : فرانسوا فوريه - ديني ريشيه

الهيئة العامة السورية للكتاب - دمشق  2012   

الجزء الأول  300  صفحة   |   2.88   م . ب
الجزء الثاني  355  صفحة   |   3.96   م . ب





منذ ١٠ آب ١٧٩٢، جُرِفَتْ الثورةُ، جرفتها الحربُ وضغط الجمهور الباريزي. إلى خارج الطريق العظمى التي اختطّها عقلُ القرن الثامن عشر وغناه. وصَعدَ إلى السطح الشغفُ بالمساواة الذي أظهر، فيما وراء الصيغ الفقيرة المُعدّة، قوّةَ المذلاّت المتراكمة وتلوينات الرؤى الشعبية. وما يطفو هو الصورةُ المقلوبة لمجتمع النظام القديم حيث كان كل شيء طبقات وامتيازات؛ إن عالم مطالب اللا متسرولين عالمٌ لا تسلسل فيه، ولا تفرّد، ولا نفوذ للثروة أو للموهبة؛ عالمٌ يبتغي أن يختفي فيه كل ما تثيره في الذهن هذه الكلمةُ الملعونةُ: أرستقراطية. فيما وراء الثورة التي أدركها جيداً «جوريس»، الثورة التي فهمها «ميتيله» بالحدس: ثورة القوى التي لفّها الظلام، قوى البؤس والغضب.

إن سياسيّي «الجبل» الذين أُجبروا على التعامل مع تلك القوى تخلّوا لها عمَا تطالب به: تطويع الجماهير، التسعير، الإرهاب. لكنهم نجحوا في الاحتفاظ بالجوهري: السلطة. وما أن سمحت لهم الظروف حتى استعادوا المراكز المتقدمة للحركة الشعبية، مركزاً بعد مركز، في اللجان أولاً، ثم في الأقسام، ثم في الجمعيات الأخوية. ويشهد جيرمينال السنة الثانية القطيعة النهائية. ولا شك أن اللامتسرولين سيحاولون في بريريال السنة الثالثة أن يؤثّروا في مجرى التاريخ، بغير جدوى، لأن القوى الليبرالية والبرجوازية تؤكد من جديد إشرافها المنفرد على النظام الاجتماعي الجديد.


لكن الحرب تستمر، وهي أصل جميع الانحرافات، جميع التواءات المثل الأعلى لـ ٨٩. وليس من رجل تبنّى ولا من جماعة تبنّت إزاء الحرب موقفاً ثابتاً. لا دانتون الذي طالب بالحدود الطبيعية قبل أن يبحث بدأب عن المفاوضات، ولا روبسبيير الذي آل نفاذُ بصيرته في ربيع ٩٢، إلى الفتور المقصود في ربيع ٩٣، ولا «كارنو» الذي تخلّى في تيرميدور عن الحدود «الجغرافية» التي قال بها في السنة السابقة. ذلك أن الحرب تؤدي إلى تحول في المجتمع وإلى مجيء مِلاك جديد. فإلى شرائح البرجوازية القديمة التي أضعفها التضخّمُ أو توقّفُ التجارة، انضمّت جماعات جديدة اغتنت بتعهدات الحرب والتسلح أو بالمضاربة. إن جزءاً من الطبقة السياسية ارتبطت بهذه الجماعات وتحدّدت على خطّ يتضمّن النصر «وفيما وراء خطوط الفصل الاجتماعي هذه، شدّت الحربُ أواصر الأمة الكبرى» في مركّب من الأهواء والأحلام والرغبات. لا بد من إرضاء جميع الناس.

لقد دفع دانتون رأسه ثمناً للبحث عن حلّ لم يكن سوى تسوية. وفقد روبسبيير رأسه لأنه لم يرسم أي منظور. ذلك أن الحرب، من جهة أخرى، أورثت الإرهاب الذي يبعث على تلاقي رفض الرافضين. فالفلاحون يكرهون المصادرات، والبرجوازيون يتوقون إلى التنعّم بالحياة، والشعبُ لم يعد يرضى أن يهب أبناءه لطنابر الموتى.

الصفقة المبُرمة في تيرميدور رهان على المستقبل: هل تسمح الانتصارات بصلح المنتصر؟ بهذا الشرط يمكن أن تُرسّخ المنافعُ المكتسبة ويُلبى التوق إلى الانفراج.

لكن المعاصرين لم يعوا مثل هذا الإحراج. فبالنسبة إليهم، لم تضع الأوهام جميعها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق