نقد الفلسفة الكانطية . أرتور شوبنهاور

نقد الفلسفة الكانطية 

تأليف : أرتور شوبنهاور        ترجمة : حميد لشهب

جداول - بيروت  2014   |   225  صفحة   |   4.69  م . ب 





من مقدمة المؤلف:
لم يكن اهتمام شوبنهاور بـ "نقد العقل الخالص لكنط" من باب النقد الهدام، بل كان يعتبر نفسه الوارث الشرعي الوحيد لهذه الفلسفة، و من تم إحساسه بواجب تصحيحها و تكميلها و تقديمها في الصورة الصحيحة لها. فقد كان كنطيا حقيقيا و كان يكن لكنط الإحترام الكامل و يعتبره من كبار الفلاسفة الألمان. و يقول عن سبب نقده لـ "نقيد العقل الخالص": "لم يذهب كنط في تفكيره إلى مداه الأقصى و ما قمت به هو فقط إتمام هذا الفكر. و طبقا لهذا فقد عممت ما قاله كنط عن التمظهر الإنساني و كل التمظهرات الأخرى، يعني أن الوجود في ذاته هو حرية مطلقة و هو إلى ذلك إرادة".

ارتكز نقد شوبنهاور لكنط في في النقط التالية أساسا:
* إشكالية التماثل الهندسي
* إشكالية عدم التحديد الدقيق للعقل
* تجاهله للمعرف الحسية على حساب المعرفة النظرية
* عدم ضبط المفاهيم التي كان يستعملها، بل استعملها بمعان مختلفة في بعض الأحيان
* نقد الأصناف الإثنى عشر لكنط. يقول في هذا الإطار: " إن سبب رفضي لكل تعاليم الأصناف و للفرضية التي ليس لها أي أساس، التي أثقل بها كنط نظرية المعرفة، يكمن في النقد الذي قدمته فيما سبق بالبرهنة على التناقضات في المنطق المتعالي، و هي تناقضات تجد جذورها في الخلط بين التمثل و المعرفة المجردة. يهتم هذا النقد كذلك بالبرهنة على القصور في المفهوم الواضح و الدقيق لجوهر الفكر و العقل، ذلك أننا نجد في كتابات كنط تعبيرات ليست لها أية علاقة بينها و غير محددة بما فيه الكفاية، بها قصور و غير صحيحة. و هي إلى جانب هذا متعلقة بالقدرتين العقليتين السالفتي الذكر [[جوهر الفكر و العقل]]. و يتضح هذا في الشروح المستفيضة التي قدمتها في دراستي „Ueber den Satz vom Grunde“، من القسم 21 إلى القسم 26 و كذا القسم 34، حول هاتين القدرتين العقليتين بالأخذ بعين الإعتبار لجوهر معرفتنا، الموجود في الإستعمال اللغوي و كتابات كل الأزمان و الأمصار. و من أجل الدفاع عن موقفي هذا ضد العروض المختلفة لكنط في هذا الإطار، فقد عريت إلى حد بعيد عن الأخطاء التي سقط فيها في تطرقه لهذا الأمر. و حتى و إن كنت أقر بأن لقائمة الأحكام، التي تؤسس نظرية المعرفة الكنطية ـ بل و كل فلسفته ـ، صحة في ذاتها، فإن ما يهمني في هذا الإطار هو ما إذا كان ممكنا البرهنة على الكيفية التي تظهر بها هذه الأشكال العامة لكل هذه الأحكام من قدرتنا المعرفية و التوفيق بينها و بين التمثل الذي نحمله عنها. سأربط شرحي لمفهومي الفكر و العقل بالمعنى الذي حددته لهما في شروحي السابقة".

* العقل و السيطرة على الآخرين: ما كان شوبنهاور ينتقده بشدة قوية و لا يقبله بتاتا، هو ذاك الإستعمال الخاص للعقل العملي، المتمثل في استغلاله من أجل مصالح معينة. يقول: "ماذا نقول عن ذاك الذي يستعمل طرق و وسائل غير محمودة و بنية سيئة و خبيثة و بتخطيط محكم للحصول على الثروة أو التشريف و كراسي الملك و يهاجم بخبث كامل الدول المجاورة و يسيطر عليها و يصبح بذلك مستعمرا غاشما و لا يفكر في كون عمله غير قانوني، بل لا يخطر على باله بأن عمله غير إنساني، يدمر كل ما قد يكون عقبة أمام تحقيقه أهدافه و لا يحس بالرحمة اتجاه ملايين البشر الذين يدمر و يدفعهم للموت و إسالة الدماء، و يقوم في ظل كل ذلك بجزاء أتباعه و مساعديه و يدافع عنهم و لا ينساهم، و يحقق أهدافه بهذه الطريقة. من لا يرى بأن مثل هذا الشخص قد بدأ عمله عن طريق إعمال العقل، و بأنه كان في حاجة إلى فهم كبير لتخطيط أعماله و إلى السيطرة الكاملة للعقل لكي يطبق هذه المخططات، و بأن المطلوب لتحقيق كل هذا كان هو العقل العملي؟". و هذا بالضبط ما دفعه إلى البحث عن حدود العقل كقوة إنسانية و عدم الإعتراف له بتلك السلطة المطلقة التي تغنت الأنوار بها. بل كان عاى وعي بأن العقل الإنساني، على الرغم من كل إنجازاته، و في شقيه العملي و النظري، يبقى ناقصا و لا يمكن الإعتراف له بالكمال. و قد انتبه إلى نوعين من العقل: العقل النظري و العقل العملي، و حاول التمييز الدقيق بينهما. ميز بالتدقيق بين نوعين من القدرة العقلية: الفهم أو الإدراك و العقل. يتمظهر الإدراك في الأحكام المباشرة لما يتمظهر كأن يتعرف المرء مثلا على لوم ما أو معرفة مكان إطلاق رمح ما و سرعته و قوته لإصابة هدفه. على العكس من هذا فإن العقل هو القدرة على التفكير عن طريق المفاهيم. يعني تلخيص التمظهرات عن طريق مفاهيم معينة و تصور مفاهيم و التمييز بين المفاهيم. و يميز شوبنهاور بين هذا النوع من التفكير (Dianoiologie) و الوجود (Ontologie).

* الشيئ في ذاته: يعارض شوبنهاور كنط في اعتباره وجود الشيئ في ذاته Ding an sich خارج التجربة، و لهذا السبب لا يمكن معرفته. و على الرغم من أنه يتفق مع كنط في كون المرء لا يمكنه التعرف على الشيئ في ذاته، لأن المرء لا يرى إلا ما يمكن لحواسه التعرف عليه، فإنه يؤكد بأنه بالإمكان الإحساس بهذا الشيئ في ذاته. فبملاحظة ذواتنا مثلا، يمكننا التأكد من وجودنا و كيفية عيشنا لهذا الوجود. نتعرف في ذواتنا على الإرادة و أشياء كثيرة أخرى. لكن وراء هذا الوعي هناك "الشيئ في ذاته" الذي يتجاوز الغرائز الإنسانية و الحيوانية، بل هو السبب الذي ليس له أي سبب الذي يوجد وراء قوانين الطبيعة. و بهذا اعتبر شوبنهاور العالم "إرادة" عمياء غير عاقلة، و بهذا يمكن اعتبار شوبنهاور الممثل الرئيسي للإرادة الميتافيزيقية.

لكن لا يعتبر العالم بالنسبة له إرادة فقط، بل تمظهرا كذلك، و بهذا فإنه تمثلا و قابل للتمثل من طرف الإنسان. و ما يُشكل معرفتنا القبلية لتمظهر العالم هو الزمان و المكان و السببية. ما يتمظهر لنا من العالم تكون له صلاحية و حقيقة بالنسبة لنا فقط، و لا يعتبر شيئا في ذاته. ليس هناك عند شوبنهاور مُلاَحَظا دون مُلاَحِظ و لا موضوعا دون ذات.

ختاما، لا يسعني إلا تكرار ما قلته سابقا، ذلك أن الهدف الرئيسي الذي دفعني لترجمة "نقد الفلسفة الكنطية" لشوبنهاور هو فتح نافدة على الفكر الفلسفي لهذا المفكر، الذي لم يصل الساحة الثقافية و الفلسفية العربية و الإسلامية عنه إلا الشيئ القليل، على أمل المساهمة بهذا في إكمال وعينا بالغرب فكرا و فلسفة و عدم التهريج لهذا الفيلسوف عوض الآخر، بل بأخذ مواقف حاسمة مما روجه و يروجه الغرب عن العرب و المسلمين. أعتقد أن الأهمية القصوى لشوبنهاور بالنسبة لنا تكمن في شيئين متكاملين: هناك من جهة تصديه "للمركزية الأوروبية" و لكل نتائج هذه المركزية على الشعوب و الأمم الأخرى. و من جهة أخرى هناك تمييزه بين العقل العملي و العقل النظري: الأول هو سبب مئاسينا، لأن الغرب يطبق دون هوادة هذا العقل في تعامله معنا، و لأن الأغلبية الكبيرة منا لا تعرف و لا تعترف إلا بهذا النوع من العقل، على الرغم من حدوده و مخاطره. أما العقل النظري فإنه وُضِعَ جانبا في أدبياتنا الفكرية، على الرغم من أنه موجود في ثقافاتنا إن على المستوى العقائدي أو الفكري. و هو الذي بإمكانه مساعدتنا من أجل التنظير إلى فلسفة الحرية، التي نتتوق لها في عالمنا العربي الإسلامي الحالي و القضاء على بؤر التوتر بين المذاهب الدينية و القبلية، مادام المطلوب هو بناء مواطن عربي "عاقل" و مسؤول و عدم الإكتفاء بمحاولات استيراد أنظمة حكم مؤسسة على العقل العملي الإستعماري، مرة لإرضاء المحتل الغاشم و مرة لخداع شعوبنا و هدم أمل "إرادة الحياة" فيها بمس كرامتها و اختياراتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق