في الأحوال والأهوال .. المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف . فالح عبد الجبار

في الأحوال والأهوال .. المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف 

 فالح عبد الجبار

الفرات للنشر والتوزيع - بيروت  2008  |   167  صفحة   |   2.91  م . ب




قسم متن هذا الكتاب إلى ثلاثة مباحث المبحث الأول: جاء تحت عنوان تأمل الذات، أو تواترات البنية الاجتماعية الثقافية العربية، يتناول هذا المبحث انتقالات المجتمع العربي من عالم الملل والنحل، من امبراطوريات الماضي المؤسسة على الهوية الدينية العابرة للقبائل والأقوا إلى الدولة المركزية الحديثة، وانتقالات الثقافة العربية من النظم الثقافية الميثولوجية -الشفاهية والمقدسة- الأبجدية، إلى النظام المعرفي الحديث القائم على المعرفة الوضعية والكلمة المطبوعة، لا لشيء إلا لتبدأ قبل انصرام قبل واحد، نقلة جديدة إلى عالم الحكونية، وعالم ما بعد الأبجدية، عصر المعلوماتية ووسائل الاتصال الإلكترونية، والكونية الجديدة. هذه الفجاءة مدمرة.

فقد انضغطت هذه الانتقالات في أقل من قرن قياساً إلى أوربا (عدة قرون) فباتت النظم المعروفة المتعاقبة في الزمان متجاوزة في المكان مولدة توترات وانشطارات وتشظيات متشعبة داخل البنية الاجتماعية -الثقافية تركتنا في حال من النزاع مع النفس.
يتناول هنا خمسة حقول من التوتر-النزاع، أبرزها هو أزمة تحديد موقع الجماعة الثقافية العربية في الزمان والمكان أي ما اصطلح عليه بفكرة الهوية: من نحن؟ وبخاصة اشتداد ميول الانغلاق (الخصوصية، الأصالة) في لحظة اقتضاض العزلة السرمدية، ليس للكيانات القبلية والطوائف القديمة، بل للكياناتالحديثة المسماة: الدولة القومية، وهذه مشكلة محورية.
المبحث الثاني: فجاء تحت عنوان تأمل العالم: عنف الانتقال من القومي إلى الكوني: جرنا القرن العشرون في مبتدأه جراً من عالم الإمبراطورية المقدسة، إلى عالم الدولة المركزية الحديثة، الدولة القومية، مفككاً عالم الملل والنحل، عالم الرعايا، عالم الهوية القبلية (أيديولوجيا القرابة) والأديان والطرائف (الجماعة المقدسة) المنقسمة، المتقابلة (أهل عشور وأهل ذمة)، ومرسياً عالم الهويات الجديدة، العابرة، افتراضاً، للأديان والعابرة للمذاهب، والقبائل، مقوضاً لفكرة الرعية، لتحل محلها فكرة المواطن المجرد.
المبحث الثالث: عبارة عن تأمل في تأملات كلاسيكية عن ازدواج الثقافة العربية وصطراعها بين ثقافة التقشف والغزو، والتلاحم، وأيديولوجيا القرابة في البوادي، وثقافة الإبداع، والثراء، والمباهد، والاستكانة في الحواضر. هذا الصراع بدا أزلياً عند ابن خلدون، من الأقدمين، ليجاريه على الوردي من المحدثين. نعاين هنا بعض مكامن ضيق الثنوية الكلاسيكية والمحدثة هذه. هذا المبحث تفصيل لبعض موتيفات المعاينة الأولى.
أما الملحق الأول يضم أولاً: "رسالة في التسامح" الديني واضح هذه الرسالة الاسكتلندي جون لوك، وهي مدبجة باللاتينية عام 1667، في أوج عصر الحروب الدينية، يدافع لوك عن حرية الإيمان والمعتقد، ساعياً إلى وضع قواعد ناظمة، في شأن حرية الإيمان وممارسة الشعائر، بين حق الحاكم (الدولة)، وحق الكنيسة (المؤسسة الدينية)، وحق الفرد.
ثانياً: نحو السلام الدائم هذا عنوان أطروحة للفيلسوف الألماني عمانوئيل كانظ في العام 1797، وتعد من أهم الوثائق الفلسفية الرامية إلى إرساء اتحاد بين الشعوب يلجم الدول عن اللجوء البربري إلى الحرب وسيلة لحل النزاعات، وفيه يستشرف كانط إنشاء هيئة عالمية للسلام يسميها "الشعوب المتحدة" اقرأ (الأمم المتحدة) ليس على قاعدة تمنيات طوباوية، بل على قاعدة أقانيم دستورية، ومؤسسات محددة.
والمفارقة أن عنوان الكتاب: نحو السلام الدائم، هو شاهدة منقوشة على مدخل مقبرة، يقول عنها كانط أنها "موجهة إلى عموم الناس، أو على وجه التخصيص إلى رؤساء الدول ممن لا يرتوي أبدأً تعطشهم إلى الحرب، أو أنها تعني الفلاسفة ممن يستلمون إلى هذا الحلم العذب".
النص الثالث اللاعنف أو العنف السلبي، يرتبط مذهب اللاعنف أو العنف السلبي (بلا إيذاء) باسم المهاتما غاندي، الأب الروحي لاستقلال الهند، وباني فلسفة اللاعنف، التي اجتذبت اهتمام الأمم المتمدنة، وزعماء مبرزين من مارتن لوثر كنج مبتدع حركة الحقوق المدنية، إلى نيلسون مانديلا، رمز حرية جنوب أفريقيا، وغيرهما. ومهاندس كارامتشند غاندي محام من حيث المهنة، وسليل عائلة وزراء مرموقة، حدد غاندي جملة من النزاعات: النزاع الشخصي، نزاع عمل، نزاع اجتماعي، نزاع ديني، نزاع وطني، نزاع دولة، وأرسى فلسفته على قاعدة "الأهيمسا" أي الامتناع عن إيذاء أي كائن، بشراً أو سواه. وقد استمد هذه الفكرة من الأديان والتصوف (بما فيها الإسلام) وقاد حركات احتجاج لإزالة الفقر، وتحرير المرأة، وتآخي الأيدان، والقوميات، والكفاية الاقتصادية، والاستقلال. اكتشف غامدي القوة الروحية في اللاعنف على المستوى الاجتماعي والسياسي، وقد حدد رسائله: المقالات، الاجتماعات المنشورات، التربة، التحكيم، التأمل، وأضاف الصيام والصلاة إلى منظومة اللاعنف. وهذه نصوص تلقي الضوء على ضوء رؤيته الإنسانية.
أخيراً ثمة قصيدة "نواح المدن القتيلة" للشاعر السويسري آلان روشا تختتم هذه الصحائف بلمسات أخوة كونية إزاء الألم الإنساني.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق