في تشريح أصول الاستبداد .. قراءة في نظام الآداب السلطانية . كمال عبد اللطيف

في تشريح أصول الاستبداد .. قراءة في نظام الآداب السلطانية 

 تأليف : كمال عبد اللطيف

دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت 1999   |   300  صفحة   |   11.14  م . ب




في الباب الأول من الكتاب والذي جاء تحت عنوان " في حدود الآداب السلطانية" قسم الكاتب الباب إلى ثلاثة فصول اقترب فيها من إشكاليات محددة سمحت بتشكيل فضاء المتن الخطابي السلطاني بصورة منهجية دقيقة ؛ حيث اهتم الكاتب في الفصل الأول بميلاد الآداب السلطانية، وفي الفصل الثاني اهتم بتحديد المرجعيات الناظمة لمتون القول في هذه الآداب، أما في الفصل الثالث فقد بحث الكاتب مسألة النمط الكتابي المتبع في الآداب السطانية، وكان الكاتب قبل ذلك قد تناول أنماط الخطاب السياسي في تاريخ الفكر الإسلامي محاولاً حصر وتحديد تلك الأنماط، كما أشار إلى أن الآداب السلطانية كانت تغرف من معين أدب الملوك الفارسي، وتنهل كذلك من التراث اليوناني بمختلف الصور التي اتخذها في فضاء التراث الإسلامي، وذلك من منظور أن تلك الآداب جزء من آداب سياسية إنسانية أنتجت هنا وهناك وفي أزمنة مختلفة .

وخلال الباب الثاني من الكتاب استغرق الكاتب خمسة فصول في رصد مظاهر وتجليات نظام الآداب السلطانية وتشريحها عن طريق تحليل وإعادة تركيب نظام قولها باعتباره قولاً في تدعيم الاستبداد السياسي، وإعادة ترتيب محتوى الآداب بشكل يعكس نظامها الداخلي، بنياتها الأساسية، مبادئها المركزية، وتجلياتها الكبرى، فيما يخص بناء النص السلطاني، ومباديء النظرية الناظمة للخطاب، وصورة الملك وصورة المُلك، ودلالات وابعاد مماثلة السلطان بالإله، وعلاقة هذه المماثلة بتدعيم وتكريس النمط الاستبدادي في الحكم والدولة، كما خصص الكاتب فصلاً لإجراء مقابلة بين القهر السلطاني وضرورة الطاعة، وفي فصل آخر بحث المؤلف التدبير السلطاني وخطط السياسة السلطانية، محاولاً كشف علاقة التدبير السياسي بالعناية الأخلاقية المتضمنة في الخطط السلطانية والسياسات الملكية، وإجمالاً بنى الكاتب مقاربات محددة في هذا الباب بالنسبة لقراءة المتون السلطانية، ووقف على أبرز تجليات هذه الآداب في مجال السياسة والتدبير السلطاني .

أما في الباب الثالث من الكتاب، فقد انطلق الكاتب من خلال قراءة الآداب السلطانية في إطار من الوعي التاريخي بنسبية وتاريخية التقنيات والمفاهيم والقضايا والمواقف التي أنتجتها وأسستها، إلى مناقشة محدودية الآداب السلطانية ومآلها في ضوء مقتضيات التحول التاريخي، تحول السلطة وتحول الفكر السياسي المواكب لها . وخلال ثلاثة فصول هي محتوى هذا الباب حاول المؤلف إدراك علاقة المقدّس بالزمني كما تبلور في هذه الآداب، وتعيين سقف النظر في التدبير السلطاني، مبرزاً الحواجز والعوائق التي رتبت لهذا الخطاب سقفه في مجال التفكير، في تقنيات السلطة وخطط التدبير، ومتوقفاً عند سؤالين اثنين: سؤال الاستمرارية وسؤال القطيعة، اللذين يرتبطان معاً بالعوائق النظرية والتاريخية التي يطرحها استمرار لغة الآداب السلطانية في الفكر العربي المعاصر، وذلك كله بهدف الوقوف على إشكالات استمرار اللغة السياسية التقليدية في الخطاب السياسي المعاصر .

وقد أوضح الكاتب أن تطوير فكرنا السياسي، ومنحه إمكانية التواصل الإيجابي مع المستجدات، يتوقف بالدرجة الأولى على نقد التراث السياسي، والبحث في سياقاته التاريخية وأبنيته النظرية وكشف مفارقاتها ؛ حيث تتعزز بذلك أسس الحداثة السياسية لدينا، وتتوسع آفاق التاريخي الحداثي، كما يمكن ـ طبقاً لوجهة نظر الكاتب ـ الانطلاق من دراسة محدودية الاداب السلطانية، إلى إعادة إنتاج أطروحات ومفاهيم التاريخ الذي تأسس ويتأسس بالقرب منا، في ضوء أسئلتنا التاريخية وإشكالاتنا السياسية ؛ حيث لا يزال المخزون التراثي في ظل الأوضاع التاريخية الراهنة، عنصراً قابلاً للاستخدام في معارك الحاضر السياسية، الثقافية والحضارية، وبالصور والأشكال التي نراها اليوم فيما يعرف بحركات الصحوة الإسلامية، ما دمنا نقرأ التراث بعيون التفكير في استعادته، بعثه وتجديده، أي بعيون الاحتماء به، كما يقرر الكاتب أننا لن نتمكن من لجم المعاندة المتواصلة في تاريخنا، إلا باستيعاب تراثنا ضمن تاريخيته، اي بالانطلاق من اعتبار أن ذاكرتنا ليست واحدة، وأن تراثنا ليس واحداً .

وفي ختام الكتاب، يقرر الكاتب أن خطاب النهضة العربية الإصلاحي، لم يتمكن من صياغة أسئلة التنظير السياسي، لأنه كان مشدوداً إلى برامج الإصلاح، إلى شعاراته ودعاويه ذات الصبغة السجالية الأيديولوجية والمستعجلة، بحكم ارتباطها بحركات فاعلة في مجال الصراع التاريخي، بحيث ظل الفكر العربي ـ نتيجة لذلك ـ يلهث وراء مستجدات الخطاب السياسي، بدون أن يتمكن من بناء مشروع في النظر السياسي، المفكك لنظامه في النظر، والمعبر في الوقت نفسه عن عمق وعيه النظري بإشكالات سياسية، كما يمارسها الفاعلون ويتمثلها المنظّرون للسلطة وللإصلاح السياسي في حاضره، ومن هنا يؤكد الكاتب أن مسألة التنظير السياسي النقدي الهادف إلى القطع مع اللغة السياسية العتيقة، ستظل ضمن أولويات الفكر السياسي العربي المعاصر، ذلك أنه لا يمكن القفز على أسئلة النظر السياسي بالاكتفاء بالعمل السياسي الصرف ؛ فالعفوية السياسية تعني التبعية العمياء، والتبعية العمياء لا تنتج النظر الكاشف عن طريق إعادة بناء المشروع السياسي المطابق للتاريخ، والدولة الوطنية المعبرة عن الإرادات الجماعية، والتصورات الجماعية المستقاة من ينابيع الواقع وممكنات التاريخ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق