الكتابة وأشكال التعبير في إسلام العصور الوسطى . جوليا براي

الكتابة وأشكال التعبير في إسلام العصور الوسطى

تحرير : جوليا براي

المركز القومي للترجمة القاهرة  2016   |   375  صفحة  |   10.35  م . ب


كتاب موسوعي يتناول التراث الإسلامي بمعناه الواسع خلال فترة ثمانية قرون متصلة في تاريخ الإسلام، ويمكن أن يعد بمثابة مقدمة للتفكير الإسلامي تستكشف جوانبه الإنسانية والخيالية عبر أطياف فكرية واسعة، يعتمد «النقد الثقافي» بمعناه الواسع إطاراً تحليلياً ومنهجياً له.
زمنياً يشير مصطلح «العصور الوسطى أو Middle Age» كما يستخدمه محررو مقالات الكتاب، إلى فترة تاريخية تمتد من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الميلادي.
لا يتوقف الكتاب إزاء النصوص التي يعالجها بوصفها نصوصا منبتّة الصلة عن سياقها التاريخي وشرطها الثقافي/‏ الاجتماعي، فالنصوص هنا تعد «تمثيلاً» دقيقاً وناصعاً للحياة الإسلامية في القرون الوسطى، ويمكننا من خلال النظر الدقيق والتحليل الممنهج الإجابة عن أسئلة من عينة: كيف وصف المسلمون في القرون الوسطى عالمهم؛ تاريخه وثقافته وممثليه الاجتماعيين الأساسيين؛ رجالا ونساء، عاديين واستثنائيين، حين كتبوا عن هذا العالم بمفرداته ومكوناته ومشتملاته؟ كيف تعرفوا على النمط والمعنى في شؤون الإنسان وأوضحوا لقرائهم الفرق بين المظهر والحقيقة.
ويناقش المساهمون الستة في الكتاب، وهم متخصصون في مجالات مختلفة من الفكر الإسلامي الكلاسيكي، هذه المسائل ويقدمون تحليلا عميقا من خلال دراسات الحالة التي تشمل: الكتابات النظرية، والتأريخ، والذكريات، والقص والتعبير الرمزي. ويقدم الكتاب دليلا للقارئ لاستخدام المصادر العربية (في مظانها) تعالجها عادة الدراسات الحديثة على أنها تخصصات منفصلة، لكن الثقافة الإسلامية في العصور الوسطى اعتبرتها "متصلة".
ورغم استخدام الأيديولوجيات المتنافسة والمتناحرة أيضاً لنصوص مشتركة وكلمات كاشفة لتعزيز رسالتها وتدعيم أفكارها، فإن الآراء العامة للمسلمين في العصور الوسطى قد تختلف بحدة، مبتكرة مساراً أدبياً مشتركاً، وكثيراً ما يخطئ القراء المحدثون تلك المواضيع المشتركة لخطاب مشترك ويقاربونها بالمفاهيم الحديثة للتدرج الهرمي الاجتماعي والجنسي والفكري. يقارن كتاب «الكتابة وأشكال التعبير في إسلام القرون الوسطى» المصادر بتفسيرات حديثة ومسائل أخطأت في تحديد الغائيات والتصنيفات الإشكالية ويقترح تحولا كبيرا للمنظور، ليصبح قراءة أساسية للمهتمين بأدب الشرق الأوسط والتاريخ والإسلام.
يقع الكتاب في جزءين؛ الأول «الحقيقة والخيال»: ويضم ثلاثة فصول (ابن زنبل وقصة التاريخ)، لروبرت إروين، (التاريخ والقصة والتأليف في القرون الأولى من الإسلام) لروبرت ج هولاند، (الكاتبات في القرون الوسطى: أشكال التعبير وإساءة التعبير) لجولي سكوت ميسامي. (ابن زنبل وقصة التاريخ) فصل شائق يستهل بوصف تاريخي بارع لروبرت إروين عن مصري من القرن السادس عشر هو ابن زنبل الرمال الذي كتب قصة زوال نظام سياسي وصفه بالعظيم لدولة المماليك استمر لقرنين ونصف وصعود سلطة إمبريالية جديدة سلطة الأتراك العثمانيين. يتعاطف ابن زنبل مع الخاسرين ويصور المماليك أبطالا منكوبين انهمكوا في صراع ضد التاريخ. في ما يقارب روبرت هولاند في مقاله عن (التاريخ والقصة والتأليف.. في القرون الأولى من الإسلام) نصا مجهولا لكاتب في القرن العاشر الميلادي "الخامس الهجري".
وتأتي المقالة الثالثة (الكاتبات في القرون الوسطى: أشكال التعبير وإساءة التعبير) لتقدم قراءة عميقة ومستفيضة رجعت فيها جولي سكوت سيامي إلى نصوص مهمة ومتباينة تكشف التناقضات بل المفارقات العميقة في التصورات التي قدمها الإنتاج الذهني للكاتب المسلم عن المرأة، وعبر تحليلات نافذة تستأنس بأدبيات وإجراءات عملية ومنهجية تخلص محررة المقال إلى نتائج بالغة الأهمية والقيمة وتلقي بالضوء على عدد من النصوص التراثية تعيدها إلى بؤرة الاهتمام وتدخلها في مجال المدونات التي يجب الرجوع إليها والاعتماد عليها حين تقديم أي مقاربة تسعى لأن تكون دقيقة عن صورة المرأة المسلمة في العصور الوسطى.
أما الجزء الثاني، «المظهر والحقيقة» فيضم فصولا ثلاثة أيضًا؛ (عن البيان والتبيين للجاحظ) لجيمس مونتجمري، وهذا الفصل تحديدا يقدم قراءة شائقة لتراث النثر العربي من خلال كتابات الجاحظ وبالأخص كتابه الموسوعي «البيان والتبيين»، وأية مراجعة لنصوص النثر العربي وأنواعه، لا يستطيع الباحث إلا أن يلاحظ مثل هذه الظواهر، بدءًا من سجع الكهان والخطابة الجاهلية، ومرورًا بالرسائل الديوانية والإخوانية التي ظلت لفترة طويلة نموذج النثر الفني العربي، لكن وإلى جانب تقديم الرسائل والمختارات الأدبية لصفوة ما قيل من شعر ونثر وحكمة، بالإضافة إلى الحكايات ذات المغزى العميق حول كل موضوع يمكن تصوره ويتعين على الرجل المتعلم (الأديب) الإلمام به، فإن هذه الرسائل والمختارات أولت اهتماما كبيرا، صريحا وضمنيا، للغة واستعمالها النموذجي.
وهذه المؤلفات كانت تشكل صميم النثر الفني الإسلامي الخالص في العصر الوسيط. وقد استمدت مادتها من الأدب السياسي من نوع الأدب المعروف باسم «مرآة الأمراء»، ومن النظرية الأخلاقية، ودراسة أنماط الأفراد، والفكر الديني الملهم، كما استمدتها مع مرور الوقت من ميادين العلم الأخرى، مع الحرص دائما على تأكيد العناصر الأدبية الممتعة والمسلية من خلال المواد التي تقدمها. ويعتبر الجاحظ (١٥٩ ٢٥٥ ه/‏ ٧٧٦ ٨٦٩ م) أرفع ممثل لهذا النوع من الأدب، فقد ولد الجاحظ ونشأ في البصرة، وأمضى معظم سني حياته الطويلة في العاصمتين العباسيتين بغداد وسامراء، أديبا وداعية لمبادئ  المعتزلة.
الفصل الثاني من هذا الجزء يدور حول (المقامات سلسلة من الاهتمامات: تأملات في «مقامات الهمذاني والحريري») لفيليب مكيندي، ويقوم أدب المقامات على استغلال مؤثرات الأسلوب الكتابي إلى أقصى درجة، ويتمثل ذلك في النثر المسجوع والكلمات التي تستعمل بدقة ومهارة، بحيث تبدو مبهمة لا تُفهم بالنسبة للشخص العادي وغير المثقف الذي يتحدث العربية. وتصف المقامات مشاهد الحياة اليومية ومشكلاتها بأسلوب مسرحي يرد على لسان بطل المقامة الذي يجادله غالبا شخص آخر ممن يلقاهم.
والمقامات في تعريفها الكلاسيكي، هي ذلك النوع النثري العربي الذي استخدم هذه العناية الخاصة بالبديع ضمن إطار جديد مختلف، يقوم على تخيل راو للحكايات وبطل يقوم بالمغامرات ويتنقل بين البلدان، لكن ظل جوهره في النهاية على ما يؤثر تأثيرًا مباشرًا في أذن المستمع، وخاصة العناصر الإيقاعية، وما أكثرها في ذلك اللون من النثر العربي، الذي طمح إلى أن يقترب من إيقاع الشعر الغنائي؛ فكانت العناية بالسجع بشكل خاص، وبألوان البديع المختلفة التي تفنن البلاغيون العرب في تصنيفها وذكر أسمائها، هذا فضلاً عن العناية بظواهر التكرار الإيقاعية، مثل تكرار الجمل القصيرة المتوازية، وتكرار الصيغ الصرفية والنحوية.. إلخ.
وأخيرا يأتي الفصل الثالث عن (العالم الفيزيائي وعين الكاتب: التنوخي والطب)، لجوليا براي.
مقالات هذا الكتاب في الحقيقة محاولة لفهم بعض الطرق التي وصف بها بعض الكتاب المسلمين في القرون الوسطى عالمهم (القرون الوسطى هنا وبالمعنى الزمني الذي تحرك في إطاره كتاب المقالات تعني الفترة من القرن الثامن الميلادي وحتى السادس عشر الميلادي) وما اعتقدوه بشأن معناه في رؤية العالم وتكوين وجهة نظر حول الوجود والمعرفة والإنسان.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق