عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين - تأليف : عبدالله ابراهيم

عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين
تأليف : عبدالله ابراهيم
المؤسسة العربية للنشر والدراسات - بيروت  2007  |  720  صفحة  |  24 م . ب


تحميل الكتاب


من خلال كتابات الجغرافيين والرحالة المسلمين عن أقاليم المعمورة التي زاروها أو وصلت أخبارها إلى اسماعهم في القرون الوسطى يحاول الدكتور عبدالله ابراهيم في هذا الكتاب لم شتات المادة المتناثرة وتبويبها وتحليل عناصرها وظواهرها ليقدم لنا رؤية شاملة لعالم القرون الوسطى في أعين المسلمين، في اطار نظرة انتقادية، تمثل جزءًا من إطار فكري للمؤلف من الواضح انه ينسحب على جوانب أخرى ويحكم توجهه سواء نحو موضوع كتابه بشكل خاص أو تعامل المسلمين مع الآخر بشكل عام.
وبشكل عام يشير المؤلف إلى ان النظرة إلى الآخر كانت تقوم على أسس دينية محضة، النص القرآني فيها مصدر للرؤية وقاعدة معيارية للجماعة. ومن هنا نشأ مصطلح دار الاسلام ودار الحرب، مشيراً إلى ان مفهوم دار الاسلام يعد مفهوماً ذا طابع ثقافي اكثر مما هو سياسي. ويقسم المؤلف كتابه إلى أربعة أجزاء يتناول الأول منها ما يسميه مركزية دار الاسلام، والثاني نظرة المسلمين لعالم الشمال، أما في الجزء الثالث والذي يرد ضمن المجلد الثاني للكتاب فيتناول الشرق، ثم في الرابع افريقية السوداء. ومن خلال مجموعة مداخل للكتاب يقدم أطراً فكرية تتناول بالشرح والتحليل نصوص الكتاب، ثم يورد نصوصاً متكاملة ومتنوعة تتكامل فيما بينها من أجل كشف مختلف الأوجه للعالم خارج دار الاسلام طوال القرون الوسطى. بداية يشير المؤلف إلى ان الآخر في الفكر القديم هو المختلف قيمياً بالدرجة الأولى، ومن هنا فإنه كان ينظر لقيم دار الاسلام على انها هي الحقيقية والشاملة وقيم الآخر على انها مثار استغراب واستهجان، وعلى ذلك فإن من الطبيعي في عصر يتصدر فيه الشعور الديني أي شعور آخر الا يكون هناك مكان للمصالحة والشراكة في القيم، وعلى ذلك أيضاً فهناك ـ حسبما يذهب المؤلف ـ تشويه لحقيقة الآخر ذهنياً وجسدياً. ويضيف ان العالم طبقاً للتصور العقائدي يحتاج إلى الانقسام أولاً من أجل ان تكون الوحدة هي الهدف المنشود فيما بعد، وما دام الحق ينبثق من دار الاسلام فلابد ان تكون تلك الدار هي المركز بكل المعاني الثقافية والدينية والجغرافية والاخلاقية، وهذا هو الدافع وراء مركزية دار الاسلام طوال القرون الوسطى حسب التصورات الاسلامية. وهنا يشير إلى ان الجغرافيا هي الوسيلة الأكثر فاعلية في تحديد الاطر العامة للحدود الرمزية لتلك المركزية الاسلامية، فابن حوقل الجغرافي مثلاً ذهب إلى ان الأرض كرة تقع ديار العرب في قلبها تماماً، وكتابه كله خصصه لتلك الدار ولم يبذل جهداً في الحديث عن ديار العرب المحصورة بين عالم هو المركز وحياة مظلمة، أما المقدسي ففي كتابه «أحسن التعابير في معرفة الاقاليم» يؤكد على انه معني بدار الاسلام وانه لن يكلف نفسه عناء البحث في ممالك الكفار، وهو ما يشير إليه عبدالله ابراهيم باعتباره تمركز حول الذات. أما ابن الفداء فرغم انه ينتقدم التصور السابق خاصة وان دار الاسلام قد تمزقت إلى أشلاء سياسية متناثرة في عصره، غير انه يعود ليتبنى ترتيب ابن حوقل، كما انه ظل في الاطار ذاته للكتاب والرحالة الآخرين، ولم يستأثر «الآخر» في كتابه سوى بنحو 5% خصص معظمها لتقويم الأسماء والقياسات وهو ما سيتكفل الرحالة بسده. ويشير عبدالله ابراهيم إلى ان الجغرافيين دمجوا المعطيات الدينية بأخرى سياسية، فحيثما يكون المركز السياسي دار الاسلام تكون البلاد هي المركز، وقد نظر إلى العراق مثلاً طوال الحكم العباسي على انه مركز العالم، وفي هذا الصدد نجد المسعود يلح في كتابه «التنبيه والاشراف» على ايراد البراهين على هذه المركزية العراقية، فيعتبر العراق أشرف المواضع التي اختارتها ملوك الأمم. الشمال غامض ومخيف ثم ينتقل إلى الحديث عن رؤية الشمال في أعين المسلمين فيشير إلى انه يبدو غامضاً ومخيفاً ولم تكن قد توافرت لهم معلومات متكاملة عنه ولهذا فقد قاموا بأنفسهم بتشكيل صورته في أذهانهم بناء على مصادر كثيرة منها جهود الجغرافيين والرحالة والعلاقات المباشرة بسبب الجوار والتجارة وغير ذلك، وقد تشكلت تلك الصورة الغامضة والمشوبة أحياناً بنوع من الخوف بسبب الصراع العقائدي الذي كان ناشباً بين دار الاسلام وكثير من الممالك الشمالية التي نشأت على التعاقب شمال بحر قزوين وحول البحر الأسود وغيرها، فضلاً عن ذلك فقد لعبت العوامل السياسية والتجارية وتداخل التخوم دوراً في ابراز الصور المتشكلة لتلك الشعوب فيما بينها، ولكن كلما توغلنا في وسط القارة الأوروبية واتجهنا شمالاً تضاءلت المعلومات، وحلت الأساطير محلها بحيث تبدو الاصقاع الشمالية من أوروبا مجهولة. ويشير إلى الصورة السلبية مثلاً ان سلام الترجمان مبعوث الواثق يتحدث عن الأرض الواقعة وراء بلاد الخزر فيقول: انها أرض سوداء منتنة الرائحة، وكنا قد تزودنا قبل دخولها خلاً نشمه من الرائحة المنكرة. كما يرتسم الشمال في أذهان القدماء باعتباره بلاد الظلام كما يقول ابن بطوطة وهذا الوصف كما يقول المؤلف يقوم على حكم اختزالي واضح يخفض من أهمية هذه المناطق. أما القبائل التركية فيتكفل الدمشقي بتقديم الأوصاف التالية لهم فهم أصحاب قلوب قاسية وطباع جافية ونفوس عانية ومنهم من يسكن المدن ومنهم من يسكن الجبال والبراري يتقلبون مع الزمان في طلب الكلأ والعشب بالخيل والبقر والغنم، ويستخلص الدكتور عبدالله من ذلك ان التدرج سمة في طبيعة الصورة التي شكلها الجغرافيون عن أهل الشمال وهي تعنى بالجوانب البشرية أكثر من غيرها، وتقدم أوصافاً شبه ثابتة للشعوب ويصار التركيز فيها على طرز الحياة الاقتصادية والدينية والاجتماعية. رحلة ابن فضلان ثم يعرض المؤلف لرحلة ابن فضلان ضمن بعثة الخليفة المقتدر إلى بلاد الصقالبة في اطار سلسلة من البعثات والسفارات بين العرب المسلمين والأمم المجاورة. لقد كسر ابن فضلان ـ حسبما يذهب الدكتور عبدالله ـ القاعدة المعروفة بأن أهل الاسلام غير معنيين بدار الكفر، غير انه يشير إلى انه رغم حرص ابن فضلان على تدوين رحلته، إلا انه ما ان ينزلق إلى عالم الكفار حتى تتوقف الكتابة، وهنا يذهب المؤلف إلى انه ثمة أيد خفية تلاعبت بالكتاب «نص ابن فضلان» وان هناك تخريباً تم فيه، مما أدى إلى ضياع المتن الأصلي وضياع اكثر الأجزاء أهمية فيما تبقى وهي المتعلقة بوجود ابن فضلان خارج دار الإسلام. ويبدي المؤلف دهشته من المفارقة المتمثلة في ان كل ما يتعلق بالآخر في نص ابن فضلان تم ترميمه وتجميعه وترجمته إلى اللغة العربية استناداً إلى شذرات متناثرة باللغات اللاتينية والألمانية والفرنسية والدانماركية والسويدية والانجليزية وغيرها ما سيؤدي بنا في النهاية إلى الاعتماد على لغات الآخر في استعادة وجهة نظر ابن فضلان بهذا الآخر!! ويعرض المؤلف لجوانب تثير الدهشة، مما يؤكد استحقاق الرحلة للتوقف عندها بشكل خاص، موضحاً انه ليس كتابة ابن فضلان فقط هي التي تم فقدها، وإما لغته وعقيدته، فقد ذاب هو نفسه في التضاريس الغريبة لعالم الشمال وتحللت مقاومته تدريجياً وآل به الأمر في النهاية لأن يكون هو ذاته موضوعاً لاستكشاف الاخير بدلاً من ان يكون الآخر موضوعاً لاستكشافه، ففيما هو ذهب ليغير من الانساق الثقافية للآخر تغيرت انساقه هو وأصيبت ذاكرته بعطب عقائدي! فابن فضلان كلما مر إلى الشمال يعاشق جارية ويتزود بالخمر، بعبارة أخرى يمارس الكبائر التي خرج من بغداد لمحوها، حتى انه سيدرك في أرض الفايكنج انه انقطع عن الصلاة منذ فترة طويلة. غير ان بعض رؤى المؤلف واستطراداته هنا والتي تعبر عن موقفه الفكري تستحق النقاش والأخذ والرد، وهو ما ليس مجاله هنا، غير اننا نشير على سبيل المثال فقط إلى تعليقه على الحوار بين ابن فضلان و «هرجر» ـ يمثل الآخر ـ حيث يشير إلى ان نص الحوار يفضح أمر الاعتصام وراء عقائد نصية جامدة، وهي هنا عقائد ابن فضلان! والخلاصة ان تجربة ابن فضلان ـ وهي تجربة استثنائية ـ تشير إلى ان الدرس الذي خرج به ابن فضلان هو ان سعة العالم وتنوع الاعراق واختلاف الثقافات والعقائد يقتضي المشاركة وليس التقاطع مما يجعله يتخطى التسفيه واصدار الاحكام القاطعة، بعبارة أخرى.. ان الآخر هو المرأة الثقيلة التي تكشف مع الزمن بجلاء عن الذات. فمن الصعب اكتشاف الذات على حقيقتها قبل الانخراط في تفاعل خصب مع الآخر. فالتواصل ـ حسب المؤلف ـ يضفي خصوصية وتمايزاً على الذات والآخر بما يجعل الذات والآخر حالة تاريخية متحولة بشكل دائم. سحر الشرق ومن الحديث عن الشمال وابن فضلان ينطلق المؤلف إلى الحديث عن الشرق، وهنا يشير إلى ان صورة الشرق التي ورثها المسلمون عن الأدبيات الجغرافية والفكرية اليونانية عن افريقيا، والصورة المشوشة عن أهل الشمال، وهنا يوضح المؤلف ان الهند والصين واللتين تشكلان قلب الشرق في القرون الوسطى استأثرتا بموقع استثنائي بين كل الصور التي شكلها المسلمون عن الشعوب خارج دار الاسلام. وبصورة عامة فإن صورة الشرق تغلبت فيها بوضوح الأوصاف المرضية والأحكام غير المتحاملة وبرز فيها اعجاب لا يخفى في موضوعات تخص الحكمة والعدالة والتنظيم الاجتماعي والسياسي، ولكن التحفظ على المنظومة العقائدية التي تمثلها الديانات الشرقية في الهند والصين وغيرهما ظلت قائمة. ويعرض المؤلف للجوانب التي استحوذت على اهتمام الرحالة والجغرافيين المسلمين ومن ذلك اشارة المسعودي إلى الهند باعتبارها مملكة الحكمة والعدالة، أما الصين فهي بلاد المهارة والتنظيم، ويشير إلى ذهول ابن بطوطة وهو يرى في أقصى الشمال الشرقي للصين الدرجة العالية من الاتقان في كل شيء، مؤكداً ان رحلة ابن بطوطة إلى الهند والصين وثيقة ثمينة في معرفة الأحوال البشرية في عصره، فهو أعظم رحالة دون ملاحظاته على العصر الوسيط. أما عن صورة الافريقيين السود في أعين المسلمين فهي حسب المؤلف تدور في فلك بطليموس وجالينوس وابقراط، أي انهم ورثوا الصورة ولم يكونوها بأنفسهم، وهي صورة بالغة التشويه، فنجد ابن سعيد العربي يتحدث عن المعمور خلف خط الاستواء إلى الجنوب وبدل ان يصف فإنه يحكم: فتلك البلاد إنما هي بلاد العراة المهملين كالبهائم! ويؤكد العربي ان ذلك معروف ومتداول وكان متناقلاً بين الناس، ويصف ابن فاطمة المناطق الواقعة على مشارف خط الاستواء قائلا: «ويحدق بها من جميع جهاتها أمم طاغية من السودان الكفرة الذين يأكلون الناس»، أما الدمشقي فيذهب إلى ان الزنوج جنوب خط الاستواء اكثرهم متوحشون لا يدينون بدين ولا يكادون يفقهون قولاً، وهم بالحيوان أشبه منهم بالناس.
#مكتبة_التنوير
#تاريخ
#إثنوغرافيا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق