نقد الحداثة في فكر نيتشه . محمد الشيخ

نقد الحداثة في فكر نيتشه

تأليف: محمد الشيخ

الشبكة العربية للأبحاث والدراسات -  بيروت  2008   |   750صفحة   |   19.4  م . ب



يحدد المؤلف غايته في محاولة رفع «الحجب» التي اعترت فكر الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه (1884 ـ 1900)، وذلك بالعودة إلى فكره من دون وساطة. ويرى المؤلف أنه لا يمكن فهم نقد نيتشه للحداثة بخاصة، وفهم فكره بعامة، إذا لم نفهم تصوّره للإنسان، أي بكون الإنسان كائناً عاقلاً وفاعلاً، وأن مشكلة الإنسان هي مشكلة «القيم». وعليه اهتم نيتشه بمملكة القيم، وصرف إليها عنايته وفيها أمعن النظر.
وما أثار حفيظة نيتشه كما يؤكد الباحث هو مفهوم «الرضا» الهيغلي، الذي يجسد الإدعاء برضا الإنسان الحديث عن حاله، معتبراً أن من مساوئ الإنسان الحديث ترضيه لوضعه، وبالتالي اندماجه بيسر في وسطه، وإقباله على شغله، وقبوله بمجتمعه وتنظيمه اليومي وعمله. وقد استشكل نيتشه مفهوم «الرضا» الهيغلي، القائم على القول برضا الإنسان الحديث عن حاله ومآله، بفعل تحقق الذاتية له والحرية والعقلانية؛ وبالتالي انعدام أسباب تسخطه، حتى وإن تمردت بعض الفرديات الثائرة الفوضوية التي تتسم بالتسخط، وإن زالت أسباب وجودها وعنادها، وراح ينظر في هذه «الحداثة»، بأن نبه إلى وضع الإنسان الحديث المأساوي. وهو إذ نظر فإنما نظر إلى أغراضها وأصنافها ومظاهرها ومصائرها.
يؤكد محمد الشيخ أن نيتشه لم يترك مجالاً من مجالات الحداثة، ولا مضماراً من مضاميرها، إلا قوّمه؛ من «الموسيقى الحديثة» إلى «البيداغوجيا الحديثة» ومن «التاريخ الحديث» إلى «المسرح الحديث» ومن «الشخصية الحديثة» و«الحرية الحديثة» و«الطبائع الحديثة» و«الكتب الحديثة» و«الفضائل الحديثة» و«الرذائل الحديثة» و«الثقافة الحديثة»، بل «الموضة الحديثة»، و«الحضارة الحديثة»، بله «البربرية الحديثة»، و«السوق الحديثة»، بله «النزعة العسكرية الحديثة». هذا إن لم نرد ذكر «الزواج الحديث» و«المرض النفسي الحديث». وما انحصر الأمر بذلك، بل إن كل مظاهر الحياة الحديثة صارت موضع حديث نيتشه.
ويعتقد المؤلف أن نيتشه رأى في هذه المظاهر كلها أن الحضارة الحديثة حضارة تؤوي في ذاتها بذور الانحطاط وتحمل نوازع الضعف والوهن، وأن الدولة الحديثة دولة الغوغاء بامتياز، وأن الشخصية الحديثة فقدت عزة أناها وهمتها وأصيبت برذائل الحداثة الثلاث: الإجهاد والفضول والشفقة، وأنها صارت ضعيفة عاجزة غير مقتدرة على ذاتها ولا سيدة نفسها، وأن الفلسفة الحديثة فلسفة افتقدت براءتها وصارت إلى نوازع ريبية مريبة، وأن الثقافة الحديثة استحالت إلى ثقافة شبيهية كثيرة الطنطنة قليلة الجدوى، وصارت معرفة عن الثقافة منفصلة عن الحياة لا ثقافة حياة، وقامت على مفاهيم خارجية وسطحية.
هكذا نظر نيتشه إلى حال «القيم الحديثة»، وهي القيم التي نهض عليها «العالم الحديث»، واعتبر أن ما قام على واه واهياً مثله. ثم رسم «لوحة لمعالم الحياة الحديثة» وأفكارها، وتبين له في هذه الحياة إمارات أربع، هي: الصحيفة والمال والآلة والمخدر، وهي كلها «وسائط» و«وصائل»، الأمر الذي دل على أن الحياة الحديثة صارت، في المقام الأول، حياة وساطة. ذلك أن نيتشه لاحظ أن الحياة الحديثة تميزت عن القديمة بكثرة لجوئها إلى الوسائط، من حيث هي حياة ديدنها أنها مُوسطة، بينما كانت الحياة القديمة أكثر بساطة ومباشرة وسذاجة.
وما من جانب من جوانب الحياة الحديثة إلا وصار قائماً على الوساطة. أن الحياة الحديثة حسب نيتشه صارت مكلفة جداً بسبب تعدد الوسطاء وكثرة الوساطات، بينما في المدينة اليونانية القديمة، أو في بعض المدن الإسبانية والإيطالية القديمة، كان المرء يدافع عن نفسه بنفسه من دون وسيط، وكان لا يعير اعتباراً لممثله أو للمفوض عنه، ولا يحفظ له قيمة تذكر.
لم يتساءل نيتشه كما يقول الباحث عن ماهية الحقيقة أو تجلياتها، كل ذلك كان يخص الميتافيزيقا التي انشغلت بقضايا الإله، والذات، والعالم، وبالنسبة إليه أضحى العالم نصاً يحتاج إلى التأويل، ويعد التأويل «القطيعة الأهم بين الميتافيزيقا وما بعد الميتافيزيقا»، كونه يشكل نمطاً جديداً من المعرفة مغايراً لنمط المعرفة الميتافيزيقية، ويجد تعبيره في نظرية إرادة القوة التي تبين كيف أن العقل المتمركز على الذات يخفي الادعاءات الذاتية للسلطة، وإرادة القوة باعتبارها عبر ذاتية، تجلت من حين إلى آخر كسيرورات مغفلة للسيطرة، كذلك تعد السيطرة العدمية التي يمارسها العقل المتمركز على الذات، عاقبة انحراف لإرادة القوة وتعبيراً عنها في ذات الوقت.
ويعتبر محمد الشيخ أن نيتشه أسس مفهومه لنقد الحداثة على نظرية في السلطة، وينظر إلى العالم من منظور لاميتافيزيقي، باعتباره الوجود بعينه، أي العالم الذي نولد فيه، نتكلم ونفكر ونعمل فيه، ثم نموت فيه، بمعنى أن العالم هو الوجود الذي لا وجود غيره، بوصفه نص الوجود وليس العالم المتخيل ميتافيزيقياً.
المؤلف في سطور
الدكتور محمد الشيخ باحث وأكاديمي من المغرب، يهتم بقضايا الفلسفة الحديثة، وأصدر عدة كتب في هذا المجال، منها: «فلسفة الحداثة في فكر هيغل، 2008»، و«نقد الحداثة في فكر هايدغر، 2008»، و«فلسفة الحداثة في فكر المثقفين الهيغليين: ألكسندر كوجيف وإريك فايل» 2008 .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق