فلسفة جيل دولوز .. عن الوجود والاختلاف . عادل حدجامي

فلسفة جيل دولوز  .. عن الوجود والاختلاف 

تأليف : عادل حدجامي

دار توبقال -  الدار البيضاء  2012   |   271  صفحة   |   11.7  م . ب



على الرغم من أن الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز (1925 ـ 1995) كان قد بدأ بنشر مؤلفاته منذ عام 1953، ألا أن ما كتبه لم يجد طريقه إلى القارئ العربي مُترجماً إلا نهاية القرن العشرين، وعلى نحو مكثف؛ فقد ترجم حسن عودة كتاب “فلسفة الصورة”، عام 1997، وترجم مطاع صفدي، في العام ذاته، كتاب “ما هي الفلسفة؟”، وفي العام نفسه ترجم أسامة الحاج كتاب “البرغسونية”، وبعد عام تُرجم أيضاً كتاب دولوز عن (نيتشه)، وفي عام 1999 ترجم عبد الحي أزرقان وزميله أحمد العلمي حوارات مع دولوز وكلير بارني بعنوان “حوارات”، ومن ثم توالى ظهور ترجمات نصوص فلسفية أخرى إلى العربية، وأغلبها جاء بعد وفاته.
ومع هذا الكم اللائق لمعرفة الخطاب العام لفلسفة جيل دولوز، في أقل تقدير، لا نجد كتاباً عربيا تناول فلسفة الرجل مثلما فعل الدكتور عادل حدجامي في كتابه هذا.
يمكن اعتبار جيل دولوز ابناً شرعياً باراً لفلسفة القرن العشرين. ولذلك لم يغفل حدجامي بحث العلاقة بين دولوز وبعض الفلاسفة الذين تداخل معهم في قراءاته وفي أبحاثه الفلسفية؛ فدولوز كتب عن فلاسفة بعينهم مثل: نيتشه، وكانط، والبرغسونية، ومن ثم سبينوزا، كتباً قائمة برأسها. ولذلك، حرص المؤلف على قراءة برغسونية دولوز في الفصل الأول، وتجريبيته الجذرية في الفصل الثاني بالإشارة إلى ديفيد هيوم، وخطاب الرغبة وما يلحق به من فلسفات جزئية تتعلَّق بالتحليل النفسي في إشارة إلى كل من سيجموند فرويد وميشيل فوكو في الفصل الثالث، والقيم التراجيدية في الفصل الرابع إشارة إلى العلاقة بين نيتشه والفلسفة، وفي الفصل الخامس قرأ العالم بوصفه “إيتولوجيا” من جهة الكيف في التركيب، والكم في الحركة إشارة إلى قراءة دولوز لفلسفة باروخ سبينوزا في كتابه العميق (سبينوزا ومشكلة التعبير).
وفي القسم الثاني من الكتاب درس المؤلف موانع الفكر وإبدالاتها أو محاولة دولوز بناء مفاصل فلسفة تتحدَّد فيها الحقيقة كإنتاج، والذات كتوليف وصيرورة، والعالم كشدَّة، والتفكير كصدام وتلاق عنيف بين الملكات البشرية، وذلك من خلال أربعة فصول درس فيها على التوالي: الصورة الوثوقية ومسلّمات التأسيس، والصورة الوثوقية ومسلّمات النتائج، والشدّة والوعي، والشدّة والإدراك، وماهية الفكر من حيث المفهوم والبَساط، والحقيقة كإنتاج
مع القسم الثالث، وبفصوله السبعة، راح المؤلف يتأمَّل إشكالية الوجود لدى دولوز من خلال معاينة العلاقة بين أنطولوجيا التواطؤ ومنطق الحدث بمسائلهما الرئيسة كالعلاقة بين الوجود والتواطؤ، والزمان، والاختلاف، والحدث، والجذمور بوصفه جسماً بلا أطراف، وتلاقياً من دون تركيب أو توليف، والتفرُّد، وأخيراً اللغة، وهي مفاهيم دولوزية كشفت عن فلسفة الرجل في الوجود والمحايثة
وفي هذا السياق، نلاحظ أن المؤلف لا يتوافق مع جملة التأويلات الفلسفية التي تقرأ دولوز بوصفه فيلسوف وجود أو فيلسوف أنطولوجيا وفق النَّمط الكلاسيكي؛ إذ أن طموح دولوز لم يكن أنطولوجياً، بل قيميٌ شأنه شأن فردريك نيتشه، فهو ليس فيلسوف أنطولوجيا، ولا فيلسوف نظرية معرفة، وما حديثه في الوجود أو في المعرفة سوى تحصيل حاصل كان الهدف منه الركون إلى ما هو قيمي، فقد كانت غاية دولوز - بحسب حدجامي - إثبات فكرة المحايثة بالانتصار للعالم كما هو، وبالإيمان بالحياة كما هي؛ في اختلافها وتنافرها وتعدّدها؛ إثبات العالم ضد العدم، والحياة ضد الموت، وترسيخ قوى الطبيعة والأرض ضد التعالي، وما عدا ذلك ليس سوى طرائق سلكها دولوز لتقرير غايته من الوصول إلى بناء رؤية قيمية للوجود والإنسان والطبيعة والكون.
ومثلما دخل جيل دولوز إلى مسرح الفلسفة متسلِّحاً برؤية تجديدية تعتمد على منظومة من المفاهيم الفلسفية الإجرائية والنظرية فأصاب مجتهداً في بناء رؤيته، كذلك فعل الدكتور عادل حدجامي الذي خاض غمار الدخول إلى روح فلسفة دولوز، فوطئ منبع عطرها، وسافر مع شذاها إلى روحها، وعاد إلى القارئ العربي بقراءة منهجية محايثة فتحت طيّات الخطاب الدولوزي عبر تلاق مباشر بعيداً عن أي تواصل لا يؤدِّي بنا إلى روح وقلب ذلك الخطاب.































تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق