الحداثة والقرآن . سعيد ناشيد

القرآن والحداثة

تأليف : سعيد ناشيد


دار التنوير للطّباعة والنّشر بيروت  2015  |   245 صفحة   |   1.57  م . ب




صدر كتاب "الحداثة والقرآن" في طبعته الأولى عن دار التنوير للطّباعة والنّشر. وكما أكّد الباحث نفسه فالعثور على ناشرٍ لهذا الكتاب في بيئة منغلقة على ذاتها يعدّ خرْقاً لهذا الواقع في مستوى من مستوياته الفكرية. خاصة إذا كان الكتاب يحمل في طيّاته قضايا وأفكارًا يعتبرها الجمهور القارئ جرأةً في حدودها القصوى على النصّ القرآني المقدّس. وهذا لا يعني أنّ الكاتب يدّعي بأنّ مقاربته لهذا الموضوع بدْع من القول لم يسبقه إليه أحد. ففي تقديمه للكتاب يشير بأنّ نظرته قد استلهمتْ مجموعة من المقاربات التي جاء بها الفارابي وابن سينا وابن عربي واسبينوزا، وكذلك من بعض المصلحين الإيرانيين كعبد الكريم سروش ومحمد مجتهد شبستري والكاتب العراقي أحمد القبانجي.
يبتدئ سعيد ناشيد كتابه بسؤال يبدو للوهلة الأولى بديهياً: ما القرآن؟ والغاية من ذلك هي مساءلة المسلَّمة التي تقول: كلٌّ من عند الله. فهل المقصود بهذه العبارة أنّ المصحف الذي بين أيدينا اليوم بترتيبه وتبويبه وقواعد كتابته ورسمه وخطّه وتنقيطه وتنوينه هو أيضًا من عند الله؟. للجواب عن هذا السّؤال يحكي سعيد ناشيد قصّته مع أستاذ للتربية الإسلامية كان يدرِّسه في مرحلة الإعدادي، حين سأله يومًا: هل يمكن أنْ نضع الهمزة فوق آية"سال سائلبرواية ورش التي يقرأ بها المغاربة لتصير"سأل سائل"، فما كان جواب أستاذه إلا أنْ قال له لا يجوز ذلك. فكان الرد من التلميذ: ومن أدرانا أنّ الله لم يمْلها بالهمزة. فكان جواب الأستاذ الصفع والطرد من القسم.
إنّ ما تؤشّر إليه هذه الحادثة بحسب الكاتب هو أنّ الله لا علاقة له بالكثير من التفاصيل الإملائية والكلامية والنصّية، وما لم نستطع أنْ نتجاوز هذه الأساطير السّلفية فليس هناك أملٌ في التّجديد.
إنّ القرآن الكريم يشير إلى ثلاث ظواهر متباينة لا يجوز الخلط بينها:
1-    الوحي الربانيوهو يحيل إلى الصور الوحيانية التي استشعرها الرسول وتمثّلها، إمّا عبر قوّته التّخييلية كما يقول الفارابي وابن سينا وابن عربي واسبينوزا عن تجارب النّبوة، أو عن طريق القلب كما يقول أحمد القبانجي.
2-     القرآن المحمديوهو ثمرة جهد الرسول في تأويل الوحي وترجمة الإشارات الإلهية إلى عبارات بشرية، انطلاقًا من وعيه وثقافته وشخصيته وقدرته التأويلية. وهذا الرأي قد أشار إليه كلّ من عبد الكريم سروش ومحمد مجتهد شبستري.
3-     المصحف العثمانيوهو ثمرة جهد المسلمين في تحويل القرآن المحمدي من آيات شفهية متناثرة إلى مصاحف متعدّدة، ثمّ من مصاحف متعدّدة إلى مصحف واحد جامع.
هذه هي تمظهرات القرآن كما يؤكد على ذلك الكاتب، غير أنّ التعامل مع القرآن لم يعد ممكنًا إلا من خلال تمظهره الأخير أيْ المصحف العثماني. بل حتى هذا المستوى لا ندركه إلا تجاوزًا طالما أنّ النسخ الأصلية لمصحف عثمان كانت ولا تزال في حكم المفقود، ولسنا نملك اليوم من أمرها سوى النّسخ المتأخرة، وهي نسخ تمّت إعادة كتابتها عقب تقعيد اللغة والكتابة والخط، وعلى الأرجح في زمن خلافة عبد الملك بن مروان(ص19/20(.  ومفاد هذا الكلام بأنّنا لا نملك من كلام الله إلا كلام رسول الله.
لتأكيد هذه الفرضية احتاج سعيد ناشيد أنْ يضرب مثلاً لتسهيل الفهم وتيسيره، وهو على الشّكل التّالي: لولا القمح لما كان هناك خبز. لكنْ هل هذا يكفي لنقول بأنّ المزارع هو من صنع الخبز؟. ليس ثمة شكّ في أنّ صانع الخبز هو الخبّاز، ولكنْ لولا المزارع ومادة القمح لما استطاع الخباز أنْ يصنع الخبز. فإذا قلبنا الصورة نحو القرآن كما يؤكّد الكاتب، فإنّ القرآن ليس كلام الله، كما أنّ الخبز ليس صنيعة المزارع، لأنّ الله"هو منتج المادة الخام التي هي الوحي، مثلما أنّ المزارع هو منتج المادة الخام التي هي القمح. وكما أنّ الخباز هو الذي حوّل القمح إلى خبز وفق رؤيته الخاصّة ومهاراته الفنية وقدراته الإبداعية، كذلك فإنّ الرسول هو من قام بتأويل الوحي وتحويله إلى عبارات وكلمات وفق رؤيته الخاصة" ص21.
إنّ هذه النتيجة تطرح أمامنا تساؤلاً آخر وهو: هل القرآن نصٌّ مقدّس؟. وهنا يبيّن الكاتب بأنّ الأديان كانت لها وظيفة أساسية وهي الارتقاء بالإنسان، لذلك جاءت موسومة بسمة القدامة، والانتماء إلى عالم ما قبل الحداثة، وعالم ما قبل الدّولة. وهذا يضع المستمسكين بالنصّ القرآني وصلاحيته لكلّ زمان ومكان أمام معضلة يصعب حلّها. فالتردّد في الدخول إلى عصر الحداثة رهين بالانعتاق من هذه القداسة، التي حوّلتْ النصّ إلى شيءٍ متعالٍ في الزّمان والمكان، يرافق الإنسانية في مختلف مراحل تكوينها. وهي إشكالية تمنع من تحقيق هذا الانخراط بسبب الإيمان بنصوص تنتمي إلى عالم القدامة بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى، نصوص تشلّ العقل، وتقتل الإبداع، ثمّ نقول عنها إنّها نصوص الله بتعبير الكاتب.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق