محنة الاسلام السياسي .. الايدولوجيا المارقة . ياسر قنصوه - إبراهيم السخاوى

محنة الاسلام السياسي ..  الايدولوجيا المارقة

تأليف :  ياسر قنصوه  - إبراهيم السخاوى

الدار المصرية اللبنانية  -  القاهرة    2014   |     100  صفحة   |   3.37  م . ب



مع بدايات القرن العشرين تدفقت جملة من المعتقدات والأفكار الليبرالية والاشتراكية في الحياة السياسية والثقافية المصرية والعربية، وأخذت أبعادا مختلفة ما بين المحافظة والتطرف والاعتدال، وقد استطاع بعضها أن يأخذ شكلا أيديولوجيا لدى مناصريه،
 وبقي البعض متدفقا في مسارات متعددة، دون أن يؤثر بفعالية في القاعدة الشعبية، أو الجماهير الباحثة عن حلول عملية لمشكلاتها، دون المخاطرة باعتناق مذهب معين، ثم جاء الإسلام السياسي إلى المشهد كأحد التحولات الفكرية المعاصرة على الساحة العربية، واكتسب أرضية جديدة ومساحة واسعة من الحضور، انطلاقا من فشل فكرة التحديث، التي دعا إليها رواد النهضة.
على هذا الأساس يمكن قراءة هذا الكتاب، حيث نرى أنه منذ النصف الثاني من القرن العشرين بدأ التيار القومي يأخذ مكانه على الساحة الفكرية، ثم على مستوى التأثير الجماهيري، منذ منتصف الخمسينيات من القرن العشرين حتى نكسة 1967، ليتسلم الراية التيار الإسلامي بادئا بالدعوة منتهيا بالسياسة.
هنا يتساءل الكتاب: هل مثلت التوجهات الأيديولوجية من الليبرالية مرورا بالقومية وانتهاء بالإسلام السياسي تحولات عميقة في التفكير لا يتوقف تأثيرها على فترة زمنية معينة، ثم يتعداها لإضفاء طابع مميز لأمة أو عصر يخرج لنا نموذجا يمكن الاختلاف حوله فكريا مع الاعتراف بوجوده المؤثر؟ يبدو أن الإجابة بالسلب، نظرا لما تموج به الساحة الفكرية والسياسية الآن من آراء وأفكار وفتاوى وخرافات، لا تعود بنا إلى الوراء فحسب، بل تجهز على ما تبقى من آمال وطموحات مستقبلية.
اليوم ـ كما يرى الكتاب ـ نتطلع إلى عالم عربي يترقب بحذر إمكان التحول الديمقراطي في ظل شكوك تتعاظم سيطرتها على نفوس الجماهير في أن تكون إرهاصات أو علامات هذا التحول لا تعني مسارات مختلفة، تعود بنا إلى هاوية التمزق والدمار، في ظل دعاوى سلطوية تتحدث عن نهاية أو خريف الأيديولوجيا، وانهيار الممارسات السياسية عبر أحزاب عديمة التأثير في الشارع السياسي.
يتساءل الكتاب: هل تمثل  الإرادة الشعبية في حد ذاتها أيديولوجيا جديدة تحركها مصالحها ورغباتها وتطلعاتها دون الاعتماد على ما هو قائم من مؤسسات أو أحزاب أو هيئات أو منظمات؟ هنا يوضح مؤلفا الكتاب أنه بعد قرن كامل من البناء السياسي الفكري، إذا به يسقط فجأة وكان شيئا لم يكن، وبقي فقط بعض فقراء يتضرعون إلى الله لإنقاذهم، وشباب ضائع يبحث عن ملجأ في الدين وأمجاد الخلافة الزائلة.
يشير الكتاب إلى أن المسافة التي كان على المشروع القومي أن يقطعها إلى الدولة الحديثة، طالت إلى حد اليأس من المشروع القومي، لذا جاء الإسلام السياسي محاولا اجتيازها، لكن على نحو مختلف تماما، فالتحول المجتمعي لدى هذا التيار ينطلق من النظرة المرتابة في الآخر، داخليا وخارجيا، ولذا فإن هذا التحول يستدعي نوعا من الإقصاء للآخر، الذي لا يفهم، أو ينكر كيفية عقد الصلة بين ما هو ديني وسياسي.
يوضح الكتاب أن التحول الأيديولوجي في صورته الدينية هو محاولة لطمس ملامح الأيديولوجيات السياسية السائدة، التي أثبتت عجزها في الإجابة عن الإخفاقات السياسية والاقتصادية المتتالية على الساحة العربية، ولكي يتم التحول لابد من إطار مرجعي يحدد ملامح هذا التحول، ويتيح الفرصة لإمكانات تحققه، وأن يحيله إلى حالة مستقرة وجديدة في آن، ومن ثم فإن الأمور ستأخذ مجراها التلقائي لإحداث النقلة أو التغيير المطلوب، ومن ثم يكون البديل هو العودة إلى الوراء أو الذات، دون الالتفات إلى الحيوية اللازمة للتغيير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق