العرق والتاريخ . كلود ليفي شتراوس

العرق والتاريخ

تأليف : كلود ليفي شتراوس

المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر  -  بيروت  1988  |   105  صفحات  |   2.48  م . ب




أهم أفكار الكتاب:
لا شيء علمي يسمح بتأكيد التفوق أو الدونية الثقافية لعرق من الأعراق ، وعندما نتحدث عن مسـاهمة الأعراق البشـرية في الحضارة ، فإننا لا نريد القول أن المسـاهمات الثقافية لـ’’آسيا ، أوروبا ، أو أفريقيا‘‘ تتسم بخصوصية معينة، وإذا كانت هذه الخصوصية موجودة فإنها تعود لظروف جغرافية، تاريخية، وإجتماعية، وليس نتيجة لقابليات متميزة متصلة بالتكوين التشريحي أو الفيزيولوجي. إن التنوع الثقافي إذن، ليس متصلاً بأية علاقة سببية بالتنوع الموجود على الصعيد البيولوجي بين بعض الجوانب المنظورة للتجمعات البشرية .
تنوع الثقافات :
إن تنوع الثقافات الإنسانية هو في الواقع أكبر بكثير وأغنى من كل ما نحن مهيأون لمعرفته على الإطلاق . وتقدم لنا دراسة اللغة أمثلة واضحة على هذا . كما يجب ألا يدعونا (هذا التنوع) إلى النظر بشكل مجزّأ للثقافات الإنسانية ، فهو نتيجة للعلاقات التي تجمع ما بين الجماعات أكثر مما هو بفعل إنعزالها عن بعضها البعض . فالمجتمعات البشرية ليست أبداً وحيدة ، وعندما تبدو في أقصى درجات الإنفصال ، فإن ذلك يأخذ أيضاً شكل الكتل أو المجموعات )تجمعات الأمريكيين الأصليين في القارة الأمريكية كمثال) .
 النزعة العرقية:
إن الموقف الأكثر قدماً ، يتمثل في الرفض الكامل للأشكال الثقافية (بمعناها الواسع) البعيدة كل البعد عن القيم التي نعتنقها . إننا نرفض القبول بواقعة تنوع الثقافة نفسها ، ونفضل أن نرمي خارج الثقافة (أي خارج الحالة الإنسانية) كل ما لا يتوافق مع القواعد التي نعيش في ظلها : (من هنا مصطلحات مثل : بربري ، وحشي ، بدائي) .
 الثقافات القديمة والثقافات البدائية :
إن كل مجتمع من وجهة نظره الخاصة ، يمكنه تصنيف الثقافات إلى ثلاثة أنواع هي: الثقافات المعاصرة له ولكن الموجودة في مكان آخر ، والثقافات التي ظهرت في المكان نفسه لكنها سابقة في الزمان ، وأخيراً الثقافات التي وجدت على السواء في زمان سابق وفي مكان مختلف . وهذه المجموعات الثلاثة معروفة بدرجات متفاوتة. إن المجتمعات البشرية إستعملت بدرجة متفاوتة أحد تاريخين : تاريخ إكتسابي يكدّس الإكتشافات والإختراعات ليبني حضارة عظيمة ؛ وتاريخ آخر ، ربما كان بالحيوية ذاتها وواضعاً قيد العمل طاقات مماثلة ، ولكن تنقصه موهبة التركيب التي يتميز بها الأول، وكل تجديد، بدل أن يأتي ليضاف إلى تجديدات سابقة، يذوب فيها .
فكرة التقدم :
ليس من السهولة الإعتقاد بتنظيم مظاهر التقدم في سلسلة منتظمة ومتلاحقة، فالتقدم لا يحصل عبر قفزات أو تحولات فجائية ، وهي لا تعني أبداً الذهاب إلى أبعد في الإتجاه ذاته ، فهي تترافق بتغيرات في الإتجاه أيضاً ، يمكن تشبيه الأمر بحركة الحصان في لعبة الشطرنج (الشكل “L” .)
 التاريخ الساكن والتاريخ التجميعي :
إننا نعتبر كل ثقافة تتطور في إتجاه مواز لثقافتنا ، ثقافة تجميعية ، أي تلك التي يكون تطورها بالنسبة لنا ذات معنى . في حين تبدو لنا سائر الثقافات سكونية ، ليس بالضرورة لأنها كذلك ، ولكن لأن خط تطورها لا يعني شيئاً لنا . إن تاريخية ثقافة هي هكذا نتيجة الوضع الذي نوجد فيه بالنسبة لها ، ونتيجة عدد وتنوع مصالحنا المرهونة عليها ، وليس نتيجة خصائص ذاتية . وإلى حد بعيد ، يفسَّر التمييز بين ’’الثقافات التي تتحرك‘‘ و’’الثقافات التي لا تتحرك‘‘ ، بذات الفرق الذي يجعل مسافراً في قطار يرى القطارات الأخرى متحركة أو ساكنة . لذا علينا في كل مرة ، نكون مضطرين لوصف ثقافة إنسانية بأنها سكونية ، أن نتساءل عما إذا كان هذا الجمود الظاهر ليس ناتجاً عن الجهل الذي نحن فيه بالنسبة لمنافعها الحقيقية ، بوعي أو بلاوعي ، وإذا لم تكن هذه الثقافة ذات المعايير المختلفة ، ضحية الوهم نفسه ، فيما يتعلق بنا . وبكلام آخر ، نبدو الواحد للآخر مجردين من أية منفعة ، وذلك فقط لأننا لا نتشابه .
 مكانة الحضارة الغربية :
إن الحضارة الغربية تتجه ، منذ قرن ونصف ، إلى الإنتشار في العالم ، وإن محاولة الثقافات الأخرى في الحفاظ على شيء من إرثها التقليدي ، غير ناجحة ، إذ أن التحولات العميقة التي تتم ، ستقضي عليها .
 الصدفة والحضارة :
إن الإنسان مدين في التعرف على النار لصدفة الصاعقة ، واختراع الفخار نتج عن نسيان كتلة من الطين قريباً من النار . إن مثل هذه النظرة الساذجة ، تنتج عن جهل كامل لتعقيد وتنوع العمليات المتعلقة بالتقنيات الأكثر بساطة . إن كل جيل يحتاج لكي يتقدم إلى إضافة إدخار ثابت إلى رأس المال الموروث من الأجيال السابقة ، إننا مدينون لهم إذن بتسعة أعشار ثروتنا وربما أكثر . فمن المؤكد إذن أن أية حقبة وأية ثقافة ليست سكونية بشكل مطلق . إن كل تاريخ هو تجميعي إذن ، مع تمايز في الدرجة . لقد حل الفيلسوف الإنكليزي هيوم (David Hume) المشكلة المغلوطة التي يطرحها كثير من الناس عندما يتساءلون “لماذا ليست كل النساء جميلات ، باستثناء قلة قليلة منهن ؟” ، إذ لم يلاق أي عناء في البرهنة على أن السؤال ليس له أي معنى ، فإذا كانت كل النساء على الأقل في مثل جمال الأجمل بينهن ، سنراهن عاديات ، وسنحتفظ بوصفنا للقلة القليلة التي تتجاوز النموذج العام . وكذلك ، عندما نهتم بنمط معين من التقدم نحتفظ بالتقدير للثقافات التي تحققه في أعلى مستوى ، ونبقى غير مبالين أمام الثقافات الأخرى ، وهكذا فإن التقدم ليس أبداً إلا الحد الأقصى من التقدم في إتجاه معد سلفاً بناءً لذوق كل واحد منا .
 تعاون الثقافات :
لقد توصلت الثقافات لتحقيق أشكال التاريخ الأكثر تجميعية ، هذه الأشكال لم تكن أبداً عمل ثقافات منعزلة ، ولكنه عمل ثقافات كثيرة ، جمعت (إرادياً أو لاإرادياً) أدوارها الخاصة ، عبر وسائل متنوعة . إن التاريخ التجميعي ليس حكراً على بعض الأعراق أو بعض الثقافات ، إنه نتاج سلوكها وليس طبيعتها . إنه يعبر عن نمط وجود معين للثقافات ليس سوى طريقة وجودها مجتمعة ، فالحضارة العالمية ، لا يمكن أن تكون شيئاً آخراً غير تحالف للثقافات التي تحتفظ كل واحدة منها بخصوصيتها .
 الإتجاه المزدوج للتقدم :
إن كل تقدم ثقافي هو نتيجة للتآلف بين الثقافات ، ويكون أكثر خصوبة بقدر ما يتم بين ثقافات أكثر تنوعاً ، إذ على الناس أن يتعاونوا لكي يتقدموا . إن الإنسانية هي دائماً أسيرة عمليتين متناقضتين : تنـزع إحداهما إلى إقامة التوحيد ، في حين تهدف الأخرى إلى الحفاظ على التنوع أو إلى إعادته . إن التسامح ليس موقفاً تأملياً موزعاً الغفران عما كان ، وعما هو قائم ، إنه موقف حيوي يقضي بالتوقع والفهم والتشجيع لما سيكون أيضاً . إن تنوع الثقافات الإنسـانية ، وراءنا وحولنا وأمامنا ، والطلب الملح الوحيد الذي نستطيع أن ندعو إليه هو أن يتحقق هذا التنوع بأشكال يكون كل واحد منها مساهمة سخية ضمن سخاء الأخرى .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق