إضاءات نيتشوية .. منسيات فاضحة . نديم نجدي

إضاءات نيتشوية .. منسيات فاضحة

نديم نجدي

دار الفارابي  -  بيروت  2013   |   185  صفحة   |   3.75  م . ب




يلقي الكتاب مزيداً من الضوء على فكر الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه،  وذلك من موقعه كأستاذ لمادة الفلسفة، مبيناً أنَّ نيتشه لم يسعَ إلى وضع معيار صارم من أجل بناء منهج فلسفي معيَّن. لكن تدميراته الممنهجة للعمارة الفلسفية كلها، أدَّت إلى تداعي بنيانها المتَّصل فيما بين طبقاتها وروادها وأعلامها جميعاً بصلة خيط رفيع.
وجمعت أفلاطون في المسيحية وسقراط في الإرث الدوغمائي لكل الأديان التي نصبت حاجزاً صلباً بين النفس والبدن، والعقلانيين بالروحانيين. وبهذا المعنى يمكن، حسب المؤلف، إنَّ نيتشه هو من قضى، وبضربة معلِّم، على فلسفات تنتمي، في رأيه، إلى مسطَّح متهالك خدم وظيفة الاجتماع البشري آلاف السنين، وفق طريقة أدَّت إلى إحداث عاهات جسدية وآفات نفسية، وجبَ علاجها بالتخلص من أسبابها كما لو أنه لم يفعل الكثير.
وتجرَّأ فقط على قص خيط السبحة فانفرط العقد، وتبعثرت حبَّات الفلسفة المعقودة بحبل دنس كريه، طبقاً لنجدي، صنعه لهم سقراط، فاحتجزهم مدَّة طويلة ضمن النطاق الذي أطلق فيه توجيهاً نحو أخلاق الفضيلة.. كان بنتيجتها أن استولد إنساناً ضعيفاً لا فرادة له، لأنَّ عليه أن يذعن لإرادة ميتافيزيقية، ويتخاصم مع نفسه إرضاءً لنفسه.
يشدد المؤلف على أنَّ نيتشه لم يفصح عن مراده. ولعلَّه كان منهمكاً ومنذ اللحظة الأولى، في تقويض دعائم الإرث العظيم للفلسفة، بما لم يتح له المجال لتقديم بديل. ولربَّما أنه كان لا يؤمن أصلاً، في بدائل ذات طبيعة وظائفية، طالما أنَّ إنسانه الأعلى قوي.
ويقول المؤلف: "تخيَّلت نيتشه يحمل مطرقته ويتجوَّل في عصرنا الذي لا يشبه عصره، ليجهز على ما تبقى من نبوءات الإرث القديم، بعد أن ولد إنسان جديد. كما بشَّر فعلاً، لكنه صار أكثر استلاباً إلى ما صيَّره خاوياً من الذوق، أمام ما يخضع له من تدجينات سوق العولمة.. يرضخ إلى ما تبتغيه الرساميل التي أسَرَت الأرض وما عليها".
ويضيف نجدي: "المتعلِّم هنا يجب ألاَّ يعرف، لئلاَّ يصير قوياً وبمقدوره التمرد على النظام المهيمن في الكلام والسلام. في السياسة والاجتماع. ضاق هامش الاختيار في عصرنا بما لا يقاس مع ما كان سائداً في عصر نيتشه، وبات السؤال الفلسفي المطروح بقوَّة: هل الإنسان كائن حر.. أم كائن استهلاكي.. لكن معيار القوَّة صار ممسوخاً اليوم في رجال يجيدون مسح الجوخ والتنصل من المسؤوليات، وانتهاز فرصة الانقضاض على جهد غيرهم".
ويحلل المؤلف جملة جوانب في فلسفة نيتشه ورؤاه، مبيناً في نقاشه لها، أن قوَّة المقدَّسات تأتي من جهل الناس بالسبب الذي يتقدَّس فيه هذا لا ذاك. ويخلص نجدي إلى أن نيتشه فيلسوف "العَوْد الأبدي". فالأشياء تتكرَّر على المنوال نفسه دوماً، إلاَّ أنَّ قوَّة ذلك ليست من مبدأ التكرار في ذاته، وإنَّما من جهلنا نحن البشر بعودة الأشياء على ما كانته هي نفسها منذ زمن، ويبين أن انتفاض نيتشه على فلسفة سقراط الداعية للفضيلة، لكونها مهّدت الطريق أمام الفلاسفة السائرين على ما شقته أوهام الأخلاق السقراطية. غير أنَّه كان شديد الإعجاب بالذوق الارستقراطي لسياسة أثينا عند الإغريق.
المؤلف : الدكتور نديم نجدي. كاتب وروائي لبناني. أستاذ مادة الفلسفة في الجامعة اللبنانية. من إصداراته: أثر الاستشراق في الفكر العربي المعاصر، خفايا ساطعة، تقلبات رجل موسمي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق