السنة بين الأصول والتاريخ - حمادي ذويب

السنة بين الأصول والتاريخ

حمادي ذويب

المركز الثقافي العربي  -  الدار البيضاء  2013  |  353  صفحة  |  6.30  م . ب




تحميل الكتاب


يستهل الباحث مؤلفه بمقدمة يكشف فيها عن السياقات والغايات التي حددت اختياره لموضوع السنة. فبخصوص السياق التاريخي؛ يتعلق الأمر بإعادة النظر في الموروث، وراهنيّةُ هذا النظر فَرَضَهُ ما سُمّي "صدمة الحداثة"، إننا نحن العرب المسلمين لم نشارك في الثورة المعرفية الهائلة في علوم الإنسان والطبيعة التي حققتها المجتمعات الأخرى، ومادام للتراث قوة رمزية معنوية قد تكون أسهمت في هذا التأخر التاريخي، فقد اختار الباحث أن ينخرط بدوره في هذا العمل الذي يطمح إلى إعادة تقويم التراث وقراءته، واختار بالضبط أن يحفر في واحدة من مسلّماته؛ أعني السُنّة.
والباحث أخذ على نفسه توظيف المناهج الإنسانية الحديثة التي تفتح إمكانات رحبة لتغيير زاوية النظر إلى الفكر الإسلامي بدل الاكتفاء بما يسميه البعض "القراءة التراثية للتراث" التي لا تعيد في آخر المطاف إلاّ عملية اجترار الموروث، إن المناهج الحديثة قد حددت موقفها المسبق من غاياتها النهائية، إنها ذات منحى تأويلي محض، لكنها لا ترنو لإدراك معنى الحقيقة، فالحقيقة المطلقة لا حقيقة لها بحكم نسبية الكينونة الإنسانية، وإنما دور المناهج الحديثة هو كشف حقيقة المعنى، ذلك المعنى المرسوم في ذهن الفاعلين الاجتماعيين واستكناه ملابساته التاريخية، بعبارة الباحث "أصبحت وجهة البحث والتأويل حقيقة المعنى لا معنى الحقيقة".
 وقد حدد الباحثُ المجالَ الزمني لاشتغاله في حدود القرن الخامس، فمن غير شك أنّ استقصاء كل التطورات الفكرية التي طرأت على مفهوم السنة إلى يومنا هذا مُغامرة قد تنم عن نزق وتسرّع في الاختيار، من هُنا فالباحث كان موفّقا في التحديد الزمني، وخاصة أن اختيار القرن الخامس لم يكن اعتباطا، فالعصر احتضن واحدا من المفكرين الأكثر تأثيرا في الفكر الإسلامي، وهو الإمام أبو حامد الغزالي، ولكتابه "المستصفى" أهمية بالغة في الفكر الأصولي بشهادة ابن خلدون، فضلا عن انغلاق المدوّنة الأصولية معه كما يرى الباحث، وإن كان حكمه هذا محلّ نظر، فممّا لاشك فيه كان للإمام الشاطبي بصمته الهامة التجديديّة في الدراسات الأصولية.
لكن قد يطفو سؤال؛ لمَ السّنة؟ يقول الباحث أنه أراد إحياء مواقف انهال عليها تراب النسيان لفرق اتخذت مواقف متحفّظة من التراث، بمعنى آخر، لقد رام بعث المناقشات التي شهدها العصر الكلاسيكي وكانت بذلك علامة على حيوية الفكر الإسلامي، وما يزخر به من تنوع وتعدد، قبل أن يتقبّل الضمير الإسلامي الفكرة التي كرّس لها الإمام الشافعي جهوده النظرية في كتاب الرسالة؛ فكرة ترسيم السنة واعتبارها أصلا من أصول الفقه. 
السبب الآخر لاختيار الموضوع هو ذلك النزوع الشديد لدى الخطاب السياسي الرسمي أو المعارض لتوظيف المقدس كتاباً وسُنة من أجل تحقيق غاياتها السياسية وإضفاء هالة من القداسة على اختياراتها، وهكذا فالعودة بموضوع السنّة إلى جذوره التاريخية قد ينسف المشروعية التي يبحث عنها هؤلاء فيها ويعيد السياسة إلى مجراها الأصلي كحقل لتنافس المشاريع التنموية لا مجرد مرتع مُبتذل للاستقطاب الإيديولوجي.
#مكتبة_التنوير
#أديان_مذاهب_إثنيات

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدخل إلى علم الإنسـان (الأنثروبولوجيا ) . عيسى الشماس

بين الدين والعلم .. تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى . أندرو ديكسون وايت

نهاية الحداثة .. الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة . جياني فاتيمو

سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر - تأليف : إكرام عدنني

العرب ونظريات العقد الاجتماعي ( بحث ) . أحمد طريبق